في مقاربته الواسعة لصناعة المواد الهجينة، تناول البروفسور يوري إيسترن، وهو أستاذ أكاديمي في «الجامعة الوطنيّة للبحوث التكنولوجيّة» الروسيّة، المجالات المتنوّعة لاستخدام المواد الهجينة. وأشار إلى تصاعد الطلب عليها حاضراً في قطاعات البناء وصناعتي السيارات الطائرات، وتكنولوجيا الفضاء وغيرها. وأوضح أن ذلك التطلّب يحفزه التطوّر في تخليق مواد هجينة تصلح لصناعة أدوات تكون فائقة المرونة من ناحية، ومقاومة للتفك والانهيار والتبدد من الناحية الثانية. وأشار إلى وجود شيء من التلكؤ في تبني الشركات الصناعيّة الكبرى المواد الهجينة، مشدّداً على ضرورة شرح ميزات تلك المواد وعرض الآفاق المذهلة لاستخداماتها أمام المستثمرين وأصحاب الشركات الصناعيّة. وضرب إيسترن أمثلة على ذلك بالإمكانات الواعدة التي تحملها المواد الهجينة في تخليق عظام بيولوجيّة تزرع في جسم الإنسان لتعويض نقص ما فيها (كما في حالات الكسور الكبيرة، أو التشوّهات الخلقيّة أو غيرها)، وتكون قابلة للتحلّل تدريجاً، فيحل العظم الطبيعي محلها. وينطبق المبدأ نفسه على صنع هياكل بيولوجيّة متنوّعة من مواد هجينة، فتزرع بديلاً لأنسجة تالفة، لكن قابليتها للتحلل التدريجي تتيح كذلك أن تنمو أنسجة طبيعيّة في مكانها. ويفيد ذلك أيضاً في الاستغناء عن إجراء عمليات جراحيّة لإزالة الهياكل المزروعة في الجسم، وهو الأمر المعتمد راهناً. وأشار إلى وجود بحوث مكثّفة تهدف إلى تطوير مواد طبيّة هجينة قابلة للتحلل، ويكون أساسها سبائك من المغنيزيوم والمواد البوليمريّة ذات المكوّنات المتنوّعة. طاقة الهيدروجين بحرارة باردة كذلك أشار إيسترن إلى الآفاق الرحبة لتطبيق عمليات التهجين، خصوصاً تلك التي تتناول التركيب الذري والجزيئي للمواد، على غاز الهيدروجين الذي يعتبر من المصادر الواعدة للطاقة النظيفة، على نحو ما يحصل في البطاريات المعروفة باسم «خلايا الوقود» Fuel Cells، أو المفاعلات النوويّة التي تستخدم ذلك الغاز. إذ تستطيع مواد هجينة بمواصفات معيّنة أن تمتلك قدرة كبيرة على تخزين الهيدروجين والتحكّم في عمليات استخراج الطاقة منه (وهو ما يفترض أنّه سيحصل في مفاعل الاندماج النووي «آيتر» ITER الشهير)، إلى حدّ استخراج الطاقة الهيدروجينيّة على درجة حرارة الغرفة العادية أو ربما أقل من ذلك! وشدّد إيسترن على أنّ التغيير الذي يحدث في مواصفات المواد عند إخضاعها لعمليات تهجين على مستوى النانومتر، يصل إلى حد يشبه تحويل كرة تضربها الأقدام في الملاعب إلى قذيفة مدفع مدمّرة. ويحدث ذلك بصورة لافتة عندما يستطيع العلماء التحكّم في الراوبط التي تصل بين الذرّات والجزيئات في المواد المنخرطة في خلطة التهجين، إلى حدّ إحداث تغيير نوعي في مواصفات المادة الهجينة. ومن المستطاع إحداث التغيير في تلك الروابط الذريّة والجزيئيّة باستخدام تيار كهربائي أو كميات من الحرارة يحملها هواء ساخن أو غيرهما. وفي المقابل، من الممكن إحداث التغيير بصنع «خيوط» تكون هي المتحكّمة في البنية الذريّة والجزيئيّة للمادة الهجينة، وتكون من النوع المرن الذي يملك «ذاكرة» معينة، بمعنى أنها تستطيع استعادة شكلها الأصلي. بقول آخر، إذا حدث تدخّل تهجيني على مواد معينة لتغيير مواصفاتها من كرة قدم إلى قذيفة مدفع، فإن ذلك يحدث مرّة وحيدة، وبعدها تستعيد المواد «ذاكرتها» وتعود إلى شكلها الأصلي. وتناول إيسترن تطبيق عمليات التهجين في مجالات عمليّة تتصل بالحياة اليوميّة كالملابس، معتبراً أن ذلك الأمر لا يقل أهمية عن صنع مواد هجينة تستخدم لبناء منازل على المريخ أو صنع مركبات فضاء بمواصافت خارقة من الصلابة والمرونة. وبيّن أن التهجين في مجال النسيج سيؤدي إلى صنع ما يعرف باسم «الملابس الذكيّة» Smart Clothes، وهي ثورة علميّة بكل ما في الكلمة من معنى. وفي حال تحقّقها، تجمع تلك الملابس بين الحماية من الحرارة والإشعاع من جهة، والوقاية من الصدمات والضربات الخارجيّة من الجهة الثانية، إضافة إلى وجود عناصر إلكترونيّة فيها. ولفت إلى عنصر مهم في تلك المصنوعات الهجينة، يتمثّل في القدرة على الترميم الذاتي، بمعنى قدرة الملابس الذكيّة على إصلاح ما يتضرر منها في شكل ذاتي، فتكون مثل الجلد الذي يجدد نفسه بنفسه.