هناك 294 بليون رسالة تعبر البريد الإلكتروني يومياً، و107 تريليون رسالة عبرت البريد الإلكتروني في عام 2010، هناك 25 بليون رسالة مرسلة عبر تويتر في 2010، وهناك 30 بليون موضوع أُلصقت على صفحة الفيسبوك في شهر، وهناك بليونان من الملفات يشاهدها الناس يومياً على فيسبوك، وهناك 600 مليون مستخدم لفيسبوك، فكيف تستطيع أمام هذا البث الهائل من المعلومات والحقائق أن تنكر ما يحدث حولك؟ هذه التقنية حرّكت ثورتي تونس ومصر، كما لعبت دوراً هائلاً في نقل أحداث غرق جدة، تماماً كما حدث العام الماضي، كاميرات مواطنين عاديين كانوا في ظل الهلع والغرق يفتحون عدسات كاميرات هواتفهم الجوالة، ويصوّرون تهدم السد والجدران والشوارع والجثث والسيارات الطافية. كل شيء تم تصويره وتوثيقه، ثم قاموا ببث هذه الصور عبر فيسبوك ورسائل البريد الإلكتروني. معظم صناديقنا الإلكترونية غرقت هي الأخرى في صور وأخبار جدة وهي تغرق. الجميع أصبح شاهداً، ولا مجال لإنكار ما حدث، ولا مجال لتجميل حالة الانهيار والعجز لمدينة يطلق عليها اسم عروس البحر الأحمر. أطرف الصور التي وصلتني صورة سيدة كانت حريصة وهي تسبح في ماء منزلها، الذي وصل للحلقوم على وضع أغطية سوداء على وجهها، وعباءة واسعة تشل يديها وهي تجذف، فيما تركت مهمة إنقاذ طفلها وحمله للخادمة، ليست هذه الصورة الوحيدة التي تسللت عبر الإنترنت والبريد، هناك أيضاً صور الاستهتار بالأمانة والاستحواذ بالنفوذ على حق الناس في الحياة، فالرسائل حملت أخبار من استخدموا وسائل الإنقاذ الحكومية، سواء الهيليكوبتر أو سيارات الهلال الأحمر لمصلحة إنقاذ أفراد من عائلاتهم على مرأى من الناس الهلعين، تاركينهم يتساءلون إن كانت الحياة حقاً لأناس ومنّة على آخرين. الناس وهي تغرق كانت تشعر بتساويها مع آخرين في الكارثة والخوف والرعب وتهديد الحياة، لكن، أن تشاهد الناس بعينها أنها تدفع ثمن فساد بعض المتنفذين، وأن وحدات الإنقاذ سواء طائرات الهيليكوبتر، أو سيارات الهلال الأحمر خصت أناساً دون آخرين، فإن الكارثة تصبح أكثر سوءاً ومرارة. هل حقاً أن الفساد وصل حتى في قسمة الموت والإنقاذ كما في باخرة تايتنك، التي خصت ركاب الدرجة الأولى بقوارب الإنقاذ، وتركت ركاب الدرجة الثالثة يغرقون؟ قد يقول البعض إن ما ورد هو خليط من الأقاويل والإشاعات وبعض الحقائق، وأنا أقول إنه أيضاً من الخطورة أن تنتشر هذه الإشاعات، التي إن حاولت أن تدل على شيء، فهو أن هناك فساداً في الذمم، وأن كل شيء أصبح ممكناً عند الفاسدين، المطلوب اليوم تحقيقات عملية صادقة، لا تلك التي أصبحت تستعمل للتهدئة الإعلامية، ولا تسفر عن شيء، نحن نطالب بالأدلة، إما على تورط هؤلاء، أو أدلة براءتهم، والتقنية الحديثة لا بد أنها سجّلت كل شيء، إضافة الى شهود العيان، وإلا فإن فساد الذمم سيصبح حكاية تملأ سماء الثقة عند المواطنين وتعكر صفو الأمانة. [email protected]