القيادة تعزي في وفاة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر    ولي العهد يعزي تشوي سانج في ضحايا حادث الطائرة    «مجلس التخصصات الصحية» يعتمد استراتيجية العام المقبل    إضافة 122 منتجاً وطنياً في القائمة الإلزامية للمحتوى المحلي    وفاة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر    2024 يرسم نهاية حكم عائلة الأسد في سورية    الأخضر يختتم استعداداته لمواجهة عُمان في نصف نهائي خليجي 26    الهلال يكسب ودّية الفيحاء بثنائية "نيمار ومالكوم"    جابر: ثقتنا كبيرة في تجاوز المنتخب السعودي    "الشورى" يوافق على تعديل نظام إنتاج المواد التعليمية وتسويقها    مجلس إدارة هيئة الإذاعة والتلفزيون يعقد اجتماعه الرابع لعام 2024    تركي آل الشيخ يعلن عن القائمة القصيرة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    استعراض مؤشرات أداء الإعلام أمام الوزير    11 ألف مستفيد من برامج التواصل الحضاري بالشرقية    أمير الشرقية يشدد على رفع الوعي المروري    مغادرة ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    علاج شاب بزراعة بنكرياس باستخدام الروبوت    حتى لا نخسر الإعلاميين الموهوبين!    هل تفجّر أوابك ثورة إصلاح وتحديث المنظمات العربية    النصر يتوج بكأس الاتحاد السعودي لكرة قدم الصالات على حساب القادسية    بينهم عدوية والحلفاوي والسعدني.. رموز فنية مصرية رحلت في 2024    كلام البليهي !    التغيير العنيف لأنظمة الحكم غير المستقرة    مبادرة «عدادي»    تحقيقات كورية واسعة بعد كارثة تحطم طائرة بوينج 737-800    الوديعة السعودية أنقذت اليمن    "التجارة" تضبط مستودعاً استغلته عمالة مخالفة للغش في المواد الغذائية    إغلاق عقبة الهدا بالطائف شهرين    خبراء أمميون يطالبون بمعاقبة إسرائيل على الجرائم التي ترتكبها في الأراضي الفلسطينية المحتلة    توزيع 132 حقيبة إيوائية في ولاية بغلان بأفغانستان    وزير خارجية سوريا: نتطلع لبناء علاقات إستراتيجية مع السعودية    مكة المكرمة: القبض على شخص لترويجه 8,400 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الجوازات: صلاحية جواز السفر للمواطنين الراغبين في السفر إلى الخارج 3 أشهر للدول العربية و6 أشهر لبقية الدول    نائب وزير الخارجية يستقبل الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير باكستان لدى المملكة    نتائج نشرة خدمات 2023.. «الإحصاء»: 78.1% مدارس التعليم العام و800 ألف رحلة أقلعت من 29 مطاراً    فرع الصحة بجازان ينفذ "ملتقى الاستثمار الصحي الأول"    مدرب عُمان قبل مواجهة السعودية: نريد النهائي    "المرور": استخدام (الجوال) يتصدّر مسببات الحوادث المرورية    ابتكارات عصرية بأيدي سعودية تعزز رفاهية الحجاج في معرض الحج    الإحصاء تُعلن نتائج المسح الاقتصادي الشامل في المملكة لعام 2023م    الصقور تجذب السياح    "حركية الحرمين" السعي نحو حياة أسهل    المملكة وتركيا تعززان التعاون الدفاعي والعسكري    في بطولة خليجي "26".. الحمدان يتصدر الهدافين.. والدوسري يغيب عن نصف النهائي    عزة النفس وعلو الإنسان    معركة اللقاحات    الذكاء الاصطناعي يشخص أفضل من الأطباء    وزيرا «الإسلامية» و«التعليم» يدشّنان برنامج زمالة الوسطية والاعتدال لطلاب المنح الدراسية    5 فوائد للأنشطة الأسبوعية تطيل العمر البيولوجي    «تونسنا عليك»    بين الأماني والرجاء.. رحمٌ منبثٌ    ترحيل إجازة الشتاء لرمضان !    التعصب في الشللية: أعلى هرم التعصب    ما الفرق بين الدخان والهباء الجوي؟    نائب أمير مكة يعقد اجتماعاً مرئياً لمناقشة نتائج زيارته لمحافظات المنطقة    البسامي يتفقد الأمن الدبلوماسي    السعودية تعزّي كوريا في ضحايا حادث تحطم طائرة ركاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية الشارع الذي اكتشف قوته
نشر في الحياة يوم 02 - 02 - 2011

احترق محمد البوعزيزي فاكتشف الشارع التونسي فجأة أنه قوي وبإمكانه التغيير، فصار يتحرك اعتماداً على هذا الاكتشاف. أزاح ابن علي من السلطة وبدأ العمل في ترتيب البيت الداخلي التونسي بناء على تصوراته واعتقاداته وآرائه ورؤاه؟ لكن هل يملك الشارع، أي شارع، رؤية ثابتة ورأياً واضحاً صريحاً واعتقاداً واحداً وتصوراً محدداً؟!
انتقلت الموجة البوعزيزية إلى مصر بحكم الجيرة وأشياء أخرى، فاكتشف المصريون للمرة الأولى في تاريخهم أنهم أقوياء في الشارع، فخرجوا في مظاهرات كبيرة تطالب بإسقاط رأس النظام. يطالبون بإسقاط النظام فقط، ولا يعرفون بعد ذلك ما مطالبهم؟ يتحركون على القاعدة ولا يرون السقف. يصرخون مطالبين بالحريات، لكنهم لا يعرفون كيفية صناعتها ولا كيفية حمايتها. يتنادون بالخلاص ولا يعرفون أي خلاص ينتظرون؟!
الموجة البوعزيزية ستنتقل إلى دول عربية أخرى قريباً جداً، وربما تمتد إلى ما وراء الخليج العربي، فالحريات الإيرانية تحتاج أيضاً إلى صرخات شارع، لكن هل يستطيع الشارع الذي اكتشفت قوته فجأة أن يستزرع الديموقراطية وحقوق الإنسان بكبسة زر في أراضٍ ليست مهيأة لذلك؟! هل الناس في الشوارع القوية يدركون ماهية الديموقراطية؟ هل يعون شروط وواجبات الديموقراطية، أم أنهم يعتقدون أن الحرية (حرية التفكير والتعبير والسلوك) هي التعريف الجامع المانع للديموقراطية؟! ثم لو كان الشارع القوي الجديد يعي ماهية الديموقراطية، هل يستطيع فرضها على مؤسسات الدولة، بمعنى هل يستطيع الشارع المسلح بالديموقراطية أن ينقل مفردات الديموقراطية من الأسفل إلى الأعلى؟!
في تونس، بعد أن أزاح الشارع ابن علي من السلطة، رفض بقاء بعض الوزراء السابقين، ثم تمادى في الرفض بأن ذهب الشارع بنفسه إلى إحدى الوزارات وأخرج وزيرها بالقوة ومنعه من ركوب سيارته وأمره بركوب موجة الإقصاء! ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل واصل التونسيون اعتصاماتهم في الساحات الرئيسة طلباً للتغيير الذي لن ينتهي عند نقطة معينة، فما دامت التصورات والاعتقادات والآراء والرؤى قابلة للتطبيق عملياً فسيظل التغيير مطلباً دائماً، وإن لم يتحقق هذا المطلب بالمطالبات السلمية فسيتحقق بالقوة، وأي قوة تستطيع ردع قوة الشارع الذي اكتشف مكامن قوته للتو؟!
التونسيون ثاروا ضد الفساد والطغيان والمحاكمات الصورية التي كانت ترمي المعارضين في غياهب السجون لمجرد أنهم ضد النظام، ثار الشعب ضد امتهانه، لكنه عاد - بدفع من الشارع القوي - إلى امتهان رموز السلطة السابقين وأقاربهم وأصهارهم ومعاونيهم وغالى في تعذيبهم وضربهم وأودعهم السجون تحت مظلة الشبهات قبل حتى أن يحاكمهم. ثار التونسيون ضد الطغيان، لكنهم عادوا فخانوا مبادئ ثورتهم، فطغوا (خاطئين) حتى ولو كان هذا الطغيان موجهاً ضد مجرمين محتملين!
الوضع في تونس لا يزال متأزماً مرتبكاً مشوشاً وسيظل، فالقوة مستعرضة بامتداد الشارع، ولا قائد موجه لها، ولم يبعدنا عن متابعة الأحداث المتتابعة المتسارعة هناك، إلا الوضع المصري الجديد، الذي لا يبتعد كثيراً عن الحال التونسية، فالتصورات والاعتقادات والآراء والرؤى هي ملك الشارع الآن في أرض الكنانة، وسيظل المصريون يبحثون عن التغيير الذي لا يمكن الوصول إليه.
المصريون في ميدان التحرير يطالبون برحيل الرئيس حسني مبارك، في الوقت الذي يحملون فيه صور الزعيم الراحل جمال عبدالناصر!! يقولون إن الرئيس يجب ألا يستمر في الحكم كل هذه السنوات، وبأيديهم صور لزعيم انتزعه الموت من كرسي الحكم! يبحثون عن (إصلاح كبسة الزر) ولا يبحثون عن منهج إصلاحي!
الدور مقبل على ليبيا واليمن وسورية والجزائر وكل الجمهوريات العربية التي انفردت عن غيرها من جمهوريات العالم بتبنيها لقوانين (ملكهورية) مشوهة، فلا هي بالجمهوريات التي يحكمها الشعب، ولا هي بالملكيات التي يرضاها الشعب. صبر الناس كان يحتاج لشرارة لينفجر، وها هو قد فعل، وستنتقل الموجة من بلد إلى آخر حاملة معها طغيان الشارع وفوضاه، وربما عبثيته.
كنت أذكّر الزملاء بالثورة الأوكرانية البرتقالية، وكيف تمكنت خلال أيام قليلة من انتزاع الحكم من رئيس مستبد وتسليمه لزعيم شعبي منتخب. تهيأت للأوكرانيين فجأة فرصتهم التي اكتشفوا من خلالها مدى (تنظيم) شارعهم وليس قوته فحسب، فاعتصموا أياماً تظللهم سحائب من الألوان البرتقالية، ويتحدث عنهم صوت واحد. صوت يحمل تصوراتهم واعتقاداتهم وآراءهم ورؤاهم ويفلترها ويقيمها ويقومها ويبعث بها ثابتة واضحة صريحة محددة إلى نهاية الشارع التي تلتقي عندها أذنان متناقضتان متباعدتان: أذن الحاكم المستبد وأذن العالم الحر.
على المصريين، إذا ما أرادوا أن يحموا وطنهم، أن يختاروا أحد طريقين، إما أن يمددوا للرئيس حسنى مبارك سنوات أُخر مع ضمانات بتغيير واقع الحال، وإما أن يكوّن بعض الحكماء الذين يعتد برأيهم حكومة ظل يسيّرون المظاهرات من أجلها، لتحل محل الحكومة الحالية، وأما مطالب هريدي في أقصى الصعيد، وزينات في الفيوم، ومسعدة في الدقهلية، وحسنين في المنصورة، وبرعي في ضواحي القاهرة، فستظل متضاربة متناقضة على الدوام كمن يحمل ورقة تأييد لجمال عبدالناصر في يد، وورقة معارضة لحسنى مبارك في اليد الأخرى.
أظن أن الله سبحانه وتعالى يريد خيراً بالمصريين ببقاء حسنى مبارك في الحكم خلال الأيام العشرة الماضية على رغم الدعوات الشعبية الجارفة لرحيله، فلو ترك حسنى مبارك الحكم في هذا الوقت قبل الاتفاق على البديل الجاهز فتسقط مصر في بحر الفوضى، إذاً سيكون لهريدي مرشح للحكم، وستنادي زينات بمرشحها، ولن ترضى مسعدة لا بمرشح هريدي ولا بمرشح زينات، وسيكون لبرعي رأي آخر في مسائل الحكم المصرية!
احتراق «بوعزيزي» كان المصادفة التي جعلت الشارع العربي يكتشف قوته، فهل سننتظر طويلاً حتى تلوح صدفة أخرى تساعد الشارع في اكتشاف مدى تنظيمه؟!
* كاتب وصحافي سعودي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.