جمّد الوزير الأول الجزائري عبدالمجيد تبون 6 قرارات اتخذها سلفه عبدالمالك سلال، تتعلق بالقطاعين الصناعي والاقتصادي، في سياق ما بات يسمى «حملة تبون على الفساد». وطلب رئيس الحكومة من بعض الوزراء إعداد قائمة بالمشاريع التي لُزِّمت في شكل «مشبوه» لمستثمرين من طريق «التراضي». ونقلت مراجع ل «الحياة» أن «هذه الحملة يدعمها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وتستهدف بالأساس الأوليغارشية المتوغلة في السياسة». وبدأت الصورة تتضح تدريجاً حول نيات تبون، إذ لم يتوقع مراقبون أن يبدأ الوافد الجديد إلى رئاسة الحكومة مرحلة تنفيذ وعيده الذي أطلقه أمام البرلمان قبل نحو شهر. وكان مراقبون وصفوا تلك التصريحات حينها بالحملة الموجهة إلى الداخل بحثاً عن استرضاء المعارضة والموالاة معاً، إلا أن تبون انتقل فعلاً إلى فتح تحقيقات موسعة في أكثر من قطاع اقتصادي، بعد أن سارع إلى إنشاء مفتشية للتحقيق المالي تتبع مكتبه مباشرةً. ويحاول تبون على ما يبدو إعطاء انطباع أن قرارات اتُخذت في الفترة السابقة، كانت خارج علم دائرة مؤسسة الرئاسة، من باب سحب الحرج عن المؤسسة الأولى في البلاد احتكاماً إلى قول كل وزير أول أنه ينفذ سياسة رئيس الجمهورية. وشكّل تصريح تبون بأن «مشاريع بقيمة 800 مليون يورو لم تحقق أي فائدة مرجوة»، نقطة بداية لما باتت تسميه الصحافة «طريقة تبون»، وظهر جلياً أن الأخير قصد مباشرةً سلفه سلال، وبدرجة أكبر وزير الصناعة السابق عبدالسلام بوشوارب، ما عجّل بالجفاء في علاقة تبون بمدير ديوان الرئاسة أحمد أويحي، الذي يقود «التجمع الوطني الديموقراطي»، الحزب الذي ينتمي إليه بوشوارب. وعلمت «الحياة» أن لقاءً جمع رئيس الحكومة برئيس الجمهورية فور تعيينه، أثيرت خلاله ملفات عدة تعتقد الرئاسة أنها تستدعي تحقيقاً مالياً، وتُرجم ذلك في توصيات لعدد من الوزراء التقاهم تبون في اجتماع وزاري مصغر في 2 تموز (يوليو) الجاري، طالبهم خلاله بالإسراع في إعداد قوائم بالمشاريع الكبرى التي سُلمت لمستثمرين بصيغة «التراضي»، أي بتفادي نظام المناقصات المعلنة، وعادة ما تُسلَّم لمستفيدين بطرق تفتقد إلى الشفافية. ووجّه تبون تعليماته إلى 4 وزراء، هم: وزير الداخلية نور الدين بدوي، وزير الصناعة بدة محجوب، وزير الأشغال العامة عبدالغني زعلان ووزير التجارة أحمد عبدالحفيظ ساسي. ولم ينتظر وزير الأشغال طويلاً فأرسل تقريراً بمشاريع لُزِّمت بظروف «غامضة» لرجل الأعمال النافذ علي حداد، رئيس منتدى رؤساء المؤسسات في الجزائر الذي رفض تبون أن يشارك في حفل رسمي بحضوره، فأُخرِج من القاعة قبل دخول رئيس الحكومة. وذكرت مراجع أن «طريقة تبون» تحظى بدعم مطلق من الرئاسة، وبإجماع قيادة الجيش والاستخبارات. كما أنها تتلقى دعماً من السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الأصغر، الذي اتخذ بدوره خطوات توحي عدم حمايته أوساط مالية في البلاد، ما جعل القرارات المتخذة جريئة إلى حد بعيد، من بينها تجميد استفادات كثيرة في قطاع العقار الصناعي، ثم تهديد مجمعات تركيب السيارات بعقوبات ردعية بسبب مخالفة دفاتر الشروط. وبلغت تحقيقات رئاسة الحكومة، مرحلة متقدمة منذ أول من أمس، بتجميد رئاسة الحكومة قرار مجلس مساهمات الدولة برئاسة سلال المنعقد في 5 أيار (مايو) الماضي، ما يعني تجميد خصخصة 28 مزرعة نموذجية تابعة للدولة، في إطار النظام الجديد للشراكة بين القطاعين العام والخاص بالتراضي البسيط.