خلف الشاشة يبدو المنظر صعباً، لكن في عمق الحدث تتجلى صعوبته الحقيقية، هذه هي الحال في كل الكوارث والأحداث الطبيعية تماماً كما كانت عليه الأوضاع في جدة التي عانت كثيراً تحت الأمطار، لكن المشاهد غالباً ما يخلق ارتباطه بالقنوات الإخبارية من خلال مثل هذه الظروف على رغم صعوبتها. وكقناة سعودية ينتظر أن تكون الأقرب للحدث المحلي، التفت المتابعون للقناة الإخبارية السعودية، ما كان اختباراً حقيقياً لقناة لم تبلغ عامها السابع في السوق الفضائية، وعلى رغم الرصيد المنخفض من الخبرة إلا أن القائمين على القناة نجحوا في كسب الاختبار والتفاعل بالشكل المطلوب مع الحدث. وجندت قناة الإخبارية كوادرها الفنية وطاقاتها التقنية لتقديم تغطية حية ولحظة بلحظة لكارثة جدة المسماة ب«الأربعاء الأسود الثاني»، وبثت تقارير ميدانية على مدار الساعة، وقدمت نشرات إخبارية مكثفة تخوض في تفاصيل الحدث بالأرقام والقصص والمشاهدات. ويحسب للقناة السعودية قدرتها على تغيير خطتها البرامجية على نحو سريع ما يكشف عن وجود قيادات إدارية وفنية خبيرة يمكنها التعامل مع الأحداث إعلامياً بشكل احترافي لا يترك مجالاً للتأويلات أو الإشاعات. ففي الوقت الذي يتسابق فيه الإعلام الجديد عبر قنواته الإنترنتية على نقل الصورة في شكل سريع كانت الإخبارية تقوم بالدور نفسه، ولكن ضمن إطار مهني لا يبث إلا الحقيقة عبر شهود العيان والمسؤولين ورجال الأمن والدفاع المدني، الذين كانوا يقفون في ميادين الكارثة. وكشفت كارثة جدة عن وجود مراسلين سعوديين شباب على قدر رفيع من المهنية والاحترافية، ما يفيد بأنهم يتلقون تدريباً مكثفاً للتعامل مع الأحداث المتسارعة بشكل أفضل من المتوقع، وهو ما بدا واضحاً من خلال قدرة هؤلاء الشباب على التعاطي مع الحدث بمعزل عن العاطفة أو الآراء الخاصة، ما أسهم في كسبهم لقبول الشارع والضيوف الذين تواجدوا بشكل مباشر أثناء الحدث من مسؤولين ومواطنين.