في الوقت الذي عبّر فنانون تونسيون عن دعمهم ل «ثورة الياسمين» من خلال الإذاعات والتلفزيونات والصحف والمواقع الإلكترونية، نزل عدد منهم الى قلب التظاهرات التي ملأت المدن التونسية، مثل آمال المثلوثي التي صورتها كاميرات متصفحي موقع «فيسبوك» تغنّي للثوار، إضافة إلى كثير من مغنّي الراب الذين كانوا ينتقدون نظام بن علي قبل رحيله. الشارع التونسي مستاء اليوم من مشاهيره الذين يشرئبون لدى أي انتفاضة فلسطينية أو حرب لبنانية أو حتى زلزال في هايتي، لكنهم لم يخصّصوا لأبناء شعبهم أغنية أو أوبريت كما يحصل عادة. وكان عدد كبير من متصفحي «فيسبوك» في تونس، لام كثيراً من المغنين التونسيين الذين لم يتخذوا موقفاً واضحاً قبل الثورة أو بعدها. وقال سليم وهو أحد الشباب الذين شاركوا في التظاهرات: «لقد استأت لأن كثيراً من الفنانين الذين تعلقنا بهم وأحببناهم، خذلونا. فبينما كنّا في قلب العاصمة بين عصي البوليس والقنابل المسيلة للدموع كان هؤلاء في بيوتهم ولعلّ بعضهم هرب أصلاً من البلاد». ويضيف «كان من المفروض أن يكونوا في مقدم الصفوف، لكنّهم اختاروا الهروب من المواجهة وانتظروا حتى تتضح الرؤية ثمَّ خرجوا وبدأوا يظهرون في مختلف وسائل الإعلام كي يباركوا الثورة ويترحموا على الشهداء...». ولم يختلف كلام نادية وهي مدرسة تربية موسيقية عن كلام سليم حيث أكدت أن عدداً كبيراً من المطربين التونسيين كانوا بعيدين من واقع الشارع التونسي سواء في أعمالهم أو مواقفهم، ولم يشاركوا الشعب تعب التظاهر ونشوة الانتصار، ولكن، بعد بداية الهدوء كانوا أول من تحدثوا باسم الثورة». وتابعت: «الفنان المصري تامر حسني سبق كل الفنانين التونسيين وقدم أغنية عن شهداء تونس». لكن آراء أخرى وجدت أعذاراً للفنان مثل جلال الذي رأى أن «دور الفنان ليس المشاركة في تظاهرة أو التعبير عن موقف ضد النظام أو معه، ولكن موقفه يبرز من خلال ما يقدم من أعمال». مواقف وحفلات تدعم الثورة بعد نجاحها! قال صابر الرباعي عبر إحدى الفضائيات التونسية إنه مستعدٌ لتقديم عدد من الحفلات في سيدي بوزيد، يذهب ريعها الى ذوي شهداء سقطوا هناك. ولكن التونسيين لم يعجبهم ذلك، حتى أن فناناً اقترح على الرباعي أن يقدم الحفلات على مسرح قرطاج كي تكون مداخيله أكبر وأهمّ. واختار لطفي بوشناق فتح النار على الزعيم الليبي معمر القدافي مطالباً إياه بعدم التدخل في الشأن الداخلي التونسي وأن يوفر نصائحه لنفسه. وأكد بوشناق أن الشعب التونسي حقق الكثير باعتماده على أسلوب الثورة من أجل الدفاع عن حقوقه المهدورة، وأن «النجاح الذي حققته هذه الثورة منذ بدايتها بعد الإطاحة بنظام الرئيس الديكتاتور زين العابدين بن علي جدير بالاحترام والافتخار». لكن الشارع التونسي لم يستسغ ما أتاه بوشناق، وانتقده كثيرون لأنه لم يساند الثورة وظلّ موالياً للنظام السابق حتى آخر لحظة، وهو الذي عرفه الجمهور العربي مسانداً لقضايا التّحرر عبر العالم. لكنه، بحسب النقاد في تونس خذل شعبه. لطيفة أيضاً أدلت بدلوها وأطلت من خلال مكالمة هاتفية عبر الفضائية التونسية التي تغيّر اسمها إلى التلفزة التونسية الوطنية، مبدية سعادتها بالثورة التي صنعها الشعب التونسي ووجهت تحيتها لكل من صنع الثورة. وتحدثت لطيفة كما ورد في موقعها عن الشعب التونسي الواعي والمتعلم، وقالت إن «المواطن التونسي ومنذ قديم الزمان يردد ما قاله أبو القاسم الشابي عن الإرادة...». بكت لطيفة خلال اتصالها هذا أكثر مما تحدّثت، ومع ذلك لم يجد لها الشارع التونسي أي عذر على غرار زملائها معتبرين إيّاها «أحد مساندي النظام السابق». ويرى مراقبون أن الفنانين في تونس كانوا يخشون من بطش نظام بن علي وأنهم كانوا يتعاملون بحرص شديد حتى في تصريحاتهم الإعلامية حتى لا يخسروا مواقعهم. مسرحيون في قلب الحدث رجال المسرح التونسي ونساؤه كانوا على عادتهم في الموعد ولم يؤخرهم شيء عن مساندة الشعب والوقوف معه في أشد لحظات الحرج، وحتى قبل قيام الثورة تعرض عدد منهم إلى الاعتداء من قبل رجال الشرطة أمام المسرح البلدي من بينهم المخرج الفاضل الجعايبي والممثلون جليلة بكار ورجاء بن عمار ونصر الدين السهيلي وغيرهم من الذين أرادوا أن يقفوا دقيقة احتجاج لإيصال صوتهم إلى النظام السابق. لكنهم قوبلوا بالتعنيف، حيث كسرت يد السهيلي، وأصيبت بن عمار بكدمات وبقع زرقاء في جسدها نتيجة ضربها وجرها على الأرض. كما كان ممثلون آخرون من ضمن المتظاهرين على امتداد أيام الثورة في قلب العاصمة منهم نعيمة الجاني ورؤوف بن يغلان ومحمد علي النهدي ولطفي العبدلي الذي بدأ قبل قيام الثورة بنشر مقاطع فيديو يطالب فيها الرئيس السابق بالرحيل، فضلاً عن عدد كبير من طلبة وخريجي المعهد العالي للفنون الدرامية من بينهم الممثلة جليلة ميساوي. الممثلون والموسيقيّون داخل تونس أيضاً قاموا بتحركات على غرار ما حصل بمدينتي المنستير وسوسة في الساحل التونسي من لقاءات للممثلين والفنانين. قائمة العار ولم ينسَ التونسيون أبداً أن كثيراً من الفنانين وقعوا عريضة تناشد الرئيس المخلوع بالترشح للانتخابات في عام 2014. وضمّت القائمة التي يسميها كثيرون ب «قائمة العار» ونشرتها الصحف التونسية وتداولتها مواقع الإنترنت، أسماء مثل صابر الرباعي ولطفي بوشناق وأمينة فاخت ولطيفة العرفاوي وغيرهم. هذه القائمة وجد فيها البعض فرصة لتصفية الحسابات. فالقائمة ضمّت أسماء إعلاميين أيضاً وكتّاب ورجال أعمال وعلماء وشخصيات عامة. تقول غالبيتهم اليوم إنهم كانوا «مكرهين على الإمضاء والمشاركة في المناشدة».