كلما اقترب موعد انتخابات الرئاسة المصرية وحان وقت الاستحقاق الكبير الذي ينتظره القاصي والداني ويبني عليه التوقعات والتكهنات اشتدت الضغوط والحملات الداخلية والخارجية لشل قدرة مصر وحصر دورها في نطاق محلي ضيق. ومن يتابع المعلومات والأنباء والتقارير المنشورة والمعلنة خلال الأسابيع القليلة الماضية يدرك جيداً حجم الأخطار ويربط الأحداث بعضها ببعض مع عودة إلى الوراء لأكثر من عقدين، ليتعرف الى معطيات الضغوط المتراكمة لا سيما بعد الكشف عن وثائق «ويكيليكس» المتعلقة بمصر والتدخلات الأميركية والاسرائيلية لمنع أو عرقلة خطط تحديث الجيش المصري وتزويده بأحدث الأسلحة، إضافة إلى رفض تعديل بند في معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية حول زيارة عدد القوات المصرية في سيناء لضبط الأمن ومكافحة الإرهاب ومنع تهريب الأسلحة والأفراد. يضاف إلى هذه المعطيات ما نشر من وثائق الخارجية البريطانية التي رفع عنها حظر السرية بعد 30 سنة على وقوع أحداثها، والتي نقرأ فيها إشارات واضحة حول خطة عزل مصر ومحاصرتها وإرباكها بالمشاكل والأزمات المتلاحقة وافتعال غيرة مستغربة على حقوق الإنسان والديموقراطية والحريات العامة، لا سيما من قبل الولاياتالمتحدة التي تتبع سياسة ازدواجية المعايير. ومن بين هذه الإشارات ما ذكر عن قطع الطريق على مصر لإعلان مبادرة سلام تتعلق بالمسارين السوري والفلسطيني استكمالاً لاتفاقات كامب دايفيد وتوجيه التهديدات المبطنة والمعلنة حول العودة عن المعاهدة والضغط من أجل زيادة وتيرة تطبيع العلاقات وتكبيلها باتفاقات وتفاهمات سيئة ومضرة بصورتها العربية والوطنية. يضاف إلى ذلك ما تردد أخيراً عن خطة لليمين الأميركي في الكونغرس تقضي بقطع المساعدات المالية والعسكرية عن مصر إلا بشروط قاسية، أو تقليص حجم هذا الدعم بهدف تشديد الضغوط في ظرف عصيب يمر به الاقتصاد المصري. ومن دون ان نخفف من أخطار أزمة مياه النيل والأمن المائي والسياسي لمصر بعد استفتاء جنوب السودان وبدء مرحلة الانفصال مع ما يرافقها من حروب واضطرابات تهز المنطقة بأسرها، تتصاعد التحركات المريبة لإثارة الفتنة الطائفية بين المسيحيين والمسلمين واستفزاز الأقباط لحملهم على إشهار العداء للدولة، لا سيما بعد التفجير الإجرامي الذي وقع ليلة رأس السنة في الاسكندرية أمام كنيسة قبطية أسفر عن سقوط عشرات الضحايا الأبرياء وفتح الباب على مصراعيه أمام الفتنة التي بشر بها جناح «القاعدة في بلاد الرافدين» بعد تنفيذ جرائم وحشية ضد المسيحيين العراقيين العزل من السلاح. هذه الصورة البانورامية للمشهد المصري تدفع المخلصين الى دق ناقوس الخطر والتحذير من الفتنة الممتدة من المحيط إلى الخليج والدعوة الى التنبه واليقظة والحكمة مع بذل الجهود المضنية من أجل مواجهتها وإحباط مخططاتها ومنع وقوع المزيد من الأحداث التي تحمل نذر الشؤم والشر. وهذا واجب مصر قيادة وشعباً وأحزاباً وفئات وطنية سياسية واقتصادية ودينية أولاً وواجب العرب قيادة وشعوباً وإعلاماً ورجال أعمال ليهبوا لنجدة مصر وإحباط المؤامرات والوقوف معها في هذا الظرف العصيب. ولن أدافع عما جرى في الانتخابات المصرية الأخيرة وما نجم عنها من اعتراضات وإقصاء ل «الإخوان المسلمين» والوفد وأحزاب المعارضة ولا عن شفافيتها ونزاهتها. ولن أدافع عن موضوع التوريث ولا قانون الانتخابات الرئاسية والنيابية ولا عن قانون الطوارئ ولا عن السياسات الاقتصادية والفساد. ولا أدافع عن مصر من منطلق شخصي أو سياسي أو عاطفي، بل لأؤكد أن أي شر يصيب مصر والمصريين، لا قدر الله، يتطاير شرره ليصيب كل عربي مهما كان قريباً أو بعيداً، صديقاً أو معارضاً، فإذا سقطت مصر، لا قدر الله، تسقط الأمة كلها لأنها كانت وستبقى تشكل بيضة الميزان في القوة العربية وركناً بارزاً من أركان الصمود والمواجهة على رغم معاهدة السلام وتبعاتها وما نجم عن التفرد من أضرار وخسائر. فهذه المعاهدة لم توقف عداء إسرائيل لمصر، ولم تمنعها من التآمر عليها وتأليب الأميركيين وغيرهم عليها، وأكبر دليل على ذلك شبكات التجسس التي تم ضبطها وكان آخرها الشبكة الخطيرة التي تمتد خيوطها إلى سورية ولبنان وفلسطين. كما أن الشعب المصري رفض التطبيع ووقف حائلاً دون تطبيقه مدعوماً من الرئيس المصري حسني مبارك الذي ورث تركة ثقيلة بينها المعاهدة وتبعاتها ورفض زيارة إسرائيل وتماشى مع الحدود الدنيا من مفاعيلها. وقد شهدت الكثير من الوقائع والأحداث من موقع المقابلات واللقاءات المتعددة التي أجريتها مع الرئيس مبارك منذ اليوم الأول لتسلمه مقاليد الرئاسة بعد اغتيال الرئيس أنور السادات، رحمه الله. فقد جاء إلى الحكم وظهر مصر مثقل بالهموم والمشاكل والأزمات، فتعامل معها بحكمة وحنكة وقذف بالقنابل الموقوتة التي وضعت بين يديه بعيداً لينقذ مصر وينجيها من أفخاخ كانت قد نصبت لها. فجزء من الأرض المصرية كان محتلاً ومنه طابا، التي كانت إسرائيل تخطط للاحتفاظ بها لتستخدمها كحصان طروادة. لكن الرئيس المصري أصر على تحريرها وقاوم ضغوطاً جبارة فتم له ما اراد وعادت جميع الأراضي المصرية محررة بالكامل. وكانت السجون المصرية تغص بالمئات من المعتقلين السياسيين من جميع الفئات والأحزاب فأفرج عنهم فوراً. وكانت مصر مقاطعة عربياً في شكل شبه كامل، وكانت الجامعة العربية قد انتقلت من مقرها الدائم إلى تونس، ففك الحصار وأعاد العلاقات العربية إلى سابق عهدها وأحسن، وعادت الجامعة إلى حضن مصر معززة مكرّمة. وكان الاقتصاد المصري يعاني من أزمات كثيرة فاستعاد قوته وأقيمت مشاريع منتجة في مختلف المناطق وأقيمت مراكز سياحية رائدة في شرم الشيخ والغردقة وسيناء. هذا ما شهدته بنفسي على مدى السنين كمراقب صحافي متابع على رغم الإعتراف بأن الوضع الحالي حرج بحيث يصعب القول إن الأمور كلها سمن وعسل، وأن أزمة البطالة قد حلت وأن الفقر قد انحسر أو أن الفساد تم استئصاله، ولكن المنطق يدعونا إلى الدعوة الى الحذر في ضوء الأخطار التي أشرت إليها من قبل والدعوة إلى عدم القفز في الهواء أو القيام بأية خطوة ناقصة أو الانقلاب على الوضع الراهن والدخول في صراعات لا نهاية لها. فما يجري يتطلب حكمة ووحدة وطنية ومشاركة الجميع في الحل واجتراح الأعاجيب حفاظاً على مصر وتجنباً لأزمة دامية جديدة بعد كل ما جرى في العراق والصومال واليمن والسودان وما يخطط للبنان، مما يعني أن أفضل سبيل للوصول إلى شاطئ الأمان هو التهيئة لمرحلة إنتقالية تحل فيها معضلة انتخابات الرئاسة والصراع على السلطة وصولاً إلى الاستقرار والأمن وإشاعة مبادئ الديموقراطية والاستمرارية والتداول والحكم العادل للأكثرية والممارسة الهادئة للمعارضة. والرئيس مبارك هو الأجدر والأكثر قدرة على تحقيق هذا الهدف في هذه المرحلة ضمن خطة مستقبلية ترسم متطلبات المستقبل والحلول الناجعة والأساليب المثالية للوصول إلى هدف الحفاظ على مصر قوية عزيزة أبية عادلة تصون الحقوق وتحترم الحريات وتؤمن المساواة وتفتح أبواب فرص العمل والحياة الكريمة وتعالج مشاكل الفقر والبطالة والأمية والعنف والإرهاب والأمراض المتفشية والبعيدة من طبيعة مصر وأخلاق الشعب المصري الكريم والطيب. والرئيس مبارك قادر على تنفيذ هذه الخطة التي تتضمن مبادئ وخطوات ضرورية من بينها: * تعيين نائب للرئيس يمارس مهاماً محددة ويساعد في تسيير شؤون الدولة ويؤمن الاستمرارية. * معالجة المشاكل الاقتصادية بسرعة وفعالية وضرب مراكز الفساد بحزم وحسم. * إجراء حوار داخلي والدعوة إلى مشاركة جميع الفرقاء في تحمل المسؤولية في هذه المرحلة الانتقالية. * حل المشاكل والإشكالات ومعالجة الشكاوى التي أدت إلى وقوع حوادث طائفية ووضع أسس وحدة وطنية ثابتة وأكيدة. * إعادة النظر بالسياسة الخارجية وفتح أبواب المصالحات واستعادة دور مصر العربي والأفريقي والدولي. * التحرك نحو الدول العربية لا سيما النفطية منها لتأمين مساهمتها في حل المشاكل الاقتصادية وزيادة مساعداتها، في حال تقليص المساعدات الأميركية. * رسم سياسة إعلامية تشارك فيها الأحزاب والقوى والشخصيات الفاعلة لوقف التراشق بالاتهمات ووضع مصلحة مصر أولاً وزيادة فعالية الإعلام الخارجي للدفاع عن مصر والعرب في وجه الحملات المغرضة. هذه النقاط هي بعض ما هو مطلوب ومتاح حتى تطمئن قلوبنا على مصر وعلى أنفسنا، وكلنا أمل بأن ينجح الرئيس مبارك في ولايته الجديدة في حال التجديد له حتى يسلم بعدها راية مصر خفاقة وموحدة لرئيس جديد وعهد جديد بيسر وسهولة وأمن وأمان بعيداً من الهزات والخضات التي تضر ولا تنفع وتبدد ولا تصون وتهدد ولا تؤمن الحياة الكريمة للشعب المصري النبيل. * كاتب عربي