حين دُشنت مدينة الانتاج الإعلامي في مصر، عوّل كثر عليها لإنقاذ الدراما المصرية من التراجع الكبير الذي أصابها سواء في المضمون أم الشكل، كونها تضم أحدث الاستوديوات في منطقة الشرق الأوسط، ووحدات تصوير داخلي وخارجي وتوليف ومكساج وديكور وملابس واكسسوارات وأحياء مفتوحة وكاملة للتصوير، كان يتعذر الحصول عليها، أو كانت تستلزم كلفة انتاجية عالية لبنائها، ومنها الاحياء الفرعوني والإسلامي والريفي وغاردن سيتي والإسكندرية... كل هذا إضافة إلى وجودها في منطقة صحراوية متاخمة للقاهرة بعيداً من استوديوات وسط العاصمة وما يحيط بها من ضوضاء وازعاج لا يساعدان على التصوير. وعلى رغم ان البداية شهدت تقديم عدد من المسلسلات الجيدة، إلا أنه وبمرور الوقت أصاب الارتباك وأشياء أخرى المدينة، وتراجع الاهتمام بالدراما رويداً رويداً، ولم يعد همّ مسؤوليها، في محاولة لسد العجز في موازنتها السنوية أمام المساهمين، سوى جلب الأموال من وسائل بعيدة من الاستثمار في الانتاج الدرامي المباشر. وعلى رغم أن هذه الطرق قد تكون مشروعة كونها تستند إلى تأجير الاستوديوات ووحدات التصوير إلى منتجي القطاع الخاص والفضائيات العربية والمصرية لتقديم برامجها فيها، إلا أن كل هذه المسائل لا تشفع أمام التراجع الكبير في انتاج الدراما، والذي أصبح في مصر في الأعوام الأخيرة من أضمن أنواع الاستثمار. والدليل أن بعض منتجي القطاع الخاص الذين لا يملكون عشر ما تملكه المدينة من إمكانات يحققون من ثلاثة أو أربعة مسلسلات يقدمونها في العام إيرادات تفوق كل ما تحققه المدينة من نشاطاتها المختلفة. واللافت أن مسؤولي المدينة وقعوا في حيرة شديدة في ما يتعلق بالانتاج الدرامي المباشر، ما أفقد كبار النجوم ثقتهم بالمدينة وأعمالها، خصوصاً أن بعضهم، وعلى رغم انتهائه من تصوير مسلسلات لها، لم يحصل على بقية مستحقاته إلا بعد معاناة وشكاوى لنقابة المهن التمثيلية والقضاء. وكان من بين هؤلاء حسين فهمي وأثار الحكيم وكمال أبو رية... وأخيراً وجد مسؤولو المدينة طوق نجاة ليظلوا في الواجهة تمثل في دخولهم في شراكة بنسب ضئيلة لا تتجاوز 25 في المئة مع عدد من منتجي القطاع الخاص، على أن تكون هذه النسبة من خلال توفير الاستوديوات ووحدات التصوير. وتواجه المدينة مأزقاً في أعقاب شرائها عشرات النصوص الدرامية، وتعاقدها على تنفيذها، ودفعها لمؤلفيها وبعض مخرجيها على الورق مقابلها المادي كاملاً أو نصفه، من دون ان توفّق في انتاجها لعدم التمكن من التعاقد مع نجوم تسند اليهم بطولة هذه الأعمال. هذا ما حدث في الأعوام الماضية في عشرات المسلسلات، ومنها «نداء العشق والأرض» للمؤلف محمد عزيز، و»حبيبي الذي لا أحبه» لمحمد صفاء عامر، و»ابن موت» لمجدي صابر، و»مداح القمر» الذي يتناول قصة حياة بليغ حمدي للمؤلف محمد الرفاعي وإخراج مجدي أحمد علي، و»همس الجذور» من تأليف يسري الجندي وإخراج إسماعيل عبدالحافظ، و»محمد علي» الذي يتناول قصة حياة محمد علي باشا من تأليف أبو العلا السلاموني وإخراج محمد فاضل. والمسلسل الأخير وقفت المدينة أمامه مكتوفة الأيدي بدعوى عدم وجود سيولة مالية لإنتاجه، ثم فوجئت بأن المؤلفة لميس جابر تكتب مسلسلاً آخر عن حياة محمد علي وتعاقدت على انتاجه مع منتج خاص، لكن المدينة لم تتحرك لإنقاذ الموقف. وفي الوقت الذي طلبت فيه المدينة من مؤلفي هذه الأعمال ومخرجيها السعي إلى التعاقد مع نجوم ونجمات لتنفيذ أعمالهم- وهو الدور الذي يجب أن تتولاه هي على اعتبار أنها جهة الانتاج التي ستدفع الأجور وفي يدها إمكان التفاوض ومن ثم التعاقد- ينام مسؤولوها ويستيقظون معلنين تعاقدهم على تقديم مسلسلات سيتكوم من نوعية «اللص والكتاب» لسامح حسين و»جوز ماما» لهالة صدقي، وهي نوعية من الدراما، يُمكن لأي منتج صغير يمتلك مليونين أو ثلاثة ملايين جنيه أن يقدمها.