على رغم معايشتها للمعاناة بتفاصيلها، وصراعها مع الموت خلال السيول الأخيرة التي جرفتها، إلا أن ذلك لم يمنع الدكتورة هدى المشاط من العمل الخيري والتطوع لتقديم يد العون للمتضررين، الذين تعرف جيداً ما قاسوا وهي واحدة منهم. نحو 39 ساعة متواصلة صارعت هدى الموت والسيل في شارع التوبة في مدينة جدة، ولم تصدق أنها نجت، إلا أنها نجت بأعجوبة، وتحكي حكاية مواجهة السيل الجارف ل «الحياة». تقول: «حينما بدأت الأمطار في الهطول خرجت من الكلية التي أعمل فيها في حي الشرفية باتجاه منزلي، فتعطلت السيارة في شارع التوبة بسبب المياه، وظللنا فيها من الساعة ال 11 صباح الأربعاء حتى الساعة الثانية بعد منتصف ليل الخميس، كانت مأساة حقيقية مرعبة، السيل يجرف سيارتي والسيارات التي إلى جواري، أرى كل ذلك بعيني كأنه كابوس». وتتابع: «السيارة تسبح في الشارع الذي تحول نهراً متنقلة من مكان إلى آخر بحسب اتجاه السيل. وأنا بداخلها لا حول لي ولا قوة، ولا معين أو نجدة من أي جهة، وبعد أن شاهدت سيارة الشرطة غارقة هي الأخرى إلى جواري يئست أن أحداً من البشر يستطيع إنقادي». وتضيف: «اتصلت بالدفاع المدني فلم يجبني أحد، وأنا أشاهد السيارات والناس في قبضة السيل، سيارتنا تغرق حيناً في المياه التي ارتفع منسوبها متراً ونصف متر فنرى الهلاك، وترتفع تارة أخرى فيطل علينا الأمل في النجاة، والتيار يجرف الكل من منطقة إلى أخرى كيفما شاء، من دون أن نجد من يطمئننا أو ينقذنا». وتواصل المشاط تذكر ما استطاعت من مأساتها: «سمعنا بطائرات تنقذ المحتجزين، لكنها كانت بالنسبة لي ولمن كانوا معي في الشارع نفسه حلماً لم يتحقق، فظللنا 39 ساعة معلقين في الماء وتجرفنا السيول ونصارع الغرق والموت». وتصف الدكتورة المشاط ما حدث بأنه هلع وفجيعة وهلاك بدني ونفسي، كونها رأت الأطفال والحوامل والرضع عالقين في السيل، فلم يسلم بشر ولا شجر ولا حجر من هجمته العنيفة، وترك الدمار في كل شيء مر عليه. وأكد أن ما رأت أثناء زياراتها التطوعية «بالغ الأثر على النفس. الناس لا يستطيعون المشي من كثرة ما مكثوا في الماء، والأطفال يرفضون العودة إلى بيوتهم خوفاً، والنساء الكبيرات في العمر يواصلن البكاء بهستيرية مخيفة»، مؤكدة أن ما خلفه السيل من رعب من الصعب علاجه وسيستغرق وقتاً طويلاً ولن تنسى آثاره.