النقاش الذي أثير في وسائل الإعلام السويدية، أخيراً، حول أسباب اشتراك بعض الرهبان البوذيين في أحداث العنف التي جرت في بورما - وهم الذين عُرفوا بميلهم للسلم والوداعة -، دفع مراسل التلفزيون السويدي فولكه ريدن للتفكير بإعداد وثائقي تلفزيوني عن الموضوع وذلك بالذهاب مباشرة الى بورما... إلا أن معلومات مثيرة تتعلق بمصير الهاربين من جحيم الموت بقوارب الصيد، أثارت انتباهه خلال تحضيره للموضوع، فقرر التوجه أولاً الى تايلاند ودخولها سراً لأن غالبية القوارب كما تؤكد المعلومات تضطر للتوقف عند سواحلها، وبعد أن يُلقى القبض على ركابها من شعب روهينجا المسلم، يُنقلون الى معسكرات سرية في الغابات التايلاندية تتم خلالها عمليات مساومة لإطلاق سراحهم، مقابل المال، بين المتجارين بالبشر وبين أهاليهم أمام أنظار رجال الشرطة والجيش! في تايلاند يلتقي المراسل السويدي بصحافية محلية تدعى شوتيما سيداساتيان، تقوم هي الأخرى بمهمة مشابهة تريد من خلالها معرفة حجم تورط سلطات بلادها في عمليات المتاجرة بمهاجري القوارب الهاربين من الإبادة العرقية التي يتعرضون لها في مناطقهم من قبل المتطرفين البوذيين. حصَن المراسل السويدي نفسه بمعلومات موثقة وبصور من بينها واحدة التقطها سائح سويدي في جزيرة «سيجيلان» تُظهر من دون لبس أعداداً كبيرة من المهاجرين المسلمين مقيّدين بسلاسل ومنبطحين على بطونهم تحت أشعة شمس حارقة يحيطهم حراس من الشرطة. سيقود بحث الصحافيين الى معرفة أن حوالى 90 في المئة من القوارب لا تصل الى وجهتها النهائية فتضطر للتوقف عند سواحل الجزر التايلاندية حيث يواجه ركابها مصيراً ليس أقل بشاعة وقسوة من مصيرهم في بلادهم. يزور الصحافيان سراً بيوتاً تحضن مهاجرين نجوا من المجزرة ومن أيدي تجار البشر ويصفون لهما طرق التعذيب التي يمارسها التجار إذا لم يحصلوا على ما يريدون من أموال ساوموا أهاليهم عليها مقابل اطلاق سراحهم. طرق ووسائل تعذيب أدت الى تشويه أجساد كثر منهم، عرضها البرنامج وأكدها مدير شرطة دائرة الهجرة التايلاندية تاتشاي بيتانلابوت بطريقة مموهة: «سمعت عن تورط رجال شرطة في عمليات المتاجرة بالمهاجرين البورمويين، وكُلفت بتحقيق مع المتهمين منهم بتلقي أموالاً من التجار والمهربين، لكنّ قلة الأدلة المتوافرة ضدهم، منعتني من توجيه التهم اليهم». ظهر من متابعة المراسل السويدي وزميلته التايلاندية التي أحاطت عملها بسرية خوفاً من تعرضها للملاحقة، أن كثراً من شعب روهينجا يُباعون لأصحاب المزارع كعبيد، ومنهم من يعاد ترحيلهم الى بورما ليواجهوا مصيراً مخيفاً هربوا منه. حال المهاجرين المسلمين في تايلاندا وما يتعرضون له كما ظهر في برنامج «أجندة»، دفعت التلفزيون السويدي للاستعانة بمراسله في بورما لارس موبيرغ وتكليفه في التحري عن الأسباب الأساسية التي دفعتهم الى الهروب من قراهم ومناطقهم وأيضاً التحقق من الموضوع الرئيسي المتعلق بتورط رهبان بوذيين في أعمال العنف العرقية التي نشبت عام 2012 وأدت الى قتل آلاف من شعب روهينجا المسلم، باعتباره موضوعاً يتعلق في جوهره بظاهرة التطرف الديني التي يتأكد بالتجربة أنها لا تنحصر بمجموعة عرقية أو دينية معينة وأن مشتركاتها واحدة أبرزها كراهية الآخر والخوف منه. وهذا ما سيتأكد منه المراسل السويدي حين يقابل في بورما وبالتحديد في مدينة مكتيلا التي أحرقت وسويت بيوتها بالأرض، الراهب البوذي المتطرف فيراتو الذي تنتشر صوره في كل مكان الى جانب ملصقات تدعو الى كراهية الإسلام رغم حظر القانون البورمي مثل هذا النشاط. ولا يتردد فيراتو في القول: «أردنا تلقينهم درساً هؤلاء الذين يستغلون الفقراء ويخيفونهم. ولا شك في ان بعد أحداث مكتيلا، أصبحنا أكثر وعياً بالخطر القادم من المسلمين». وبهدف توسيع النقاش، يلتقي برنامج «أجندة» مسؤول منظمة «بالما سنتر» نيس أورباك الذي يؤكد زيارته المنطقة المنكوبة وضلوع بعض الرهبان المتطرفين في الأحداث وأنه حاول زيارة معسكر أقيم لأيواء 140 ألف مهاجر من المسلمين، لكنّ السلطات البورمية منعته. ويظن أنه ولأسباب انتخابية يتجنب سياسيو البلد التعبير عن مواقفهم أو إدانتهم للرهبان بما فيهم أونغ سان سو التي تخشى من قوتهم ونفوذهم ، ولهذا يشدد على ضرورة تدخل الأممالمتحدة بقوة في الموضوع وإصدار قرارات تحمي المسلمين من الإبادة والتلويح بتوجيه عقوبات مشددة الى سلطاتها والمهم المطالبة بالسماح بدخول الصحافيين البلاد من دون قيود. في نهايته يعلن الوثائقي أن الصحافية التايلاندية ألقي القبض عليها بتهمة التحريض ضد السلطات وستقدم خلال الأيام القريبة الآتية الى المحاكمة!