تراوحت أسعار النفط في الاسابيع الماضية بين 97-99 دولاراً لنفط «برنت» بحر الشمال، ونحو 88-93 دولاراً للنفط الاميركي الخفيف. وتشير المعطيات المتوافرة الى استمرار المستوى العالي للأسعار، بل الى امكان ارتفاعها الى مستويات اعلى. تعود اسباب هذه المستويات العالية الى امور عدة، أهمها الحوادث الصناعية والطبيعية المتعددة التي ادت الى توقف الانتاج في اوقات متقاربة، من آلاسكا والنروج ونفط «برنت» في الجزء البريطاني من بحر الشمال، وأيضاً الفحم في استراليا بسبب الفيضانات، حيث يتم تعويض استعمال الفحم في محطات الكهرباء العالمية بالفيول اويل. ثم الى حاجة الدول الصناعية الى اسعار «مناسبة» و «تشجيعية» لدعم البحوث والإنتاج للطاقات البديلة. وهذا الامر يشبه الى حد ما ارتفاع الاسعار في منتصف سبعينات القرن الماضي، لتشجيع الانتاج من المياه العميقة في حينه، مثل بحر الشمال وغيره. لكن، اضافة الى هذه العوامل، هناك ايضاً ظاهرة اساسية ذات انعكاسات كبيرة على اسواق النفط الحالية والمستقبلية، هي ارتفاع الطلب بحدود 1,5 و 1,8 في المئة (وحتى نحو 2 في المئة). وهذه الظاهرة مهمة، وذات أبعاد طويلة المدى تتخطى الوضع الراهن. اذ انها تشير الى استمرار ارتفاع الطلب في الدول الصناعية، بخاصة في الولاياتالمتحدة، وأيضاً، وكما اشار وزير البترول السعودي علي النعيمي الاسبوع الماضي، الى استمرار زيادة الطلب من الدول الناشئة في العالم الثالث، بحيث يرتفع معدلها في العالم الثالث بحلول عام 2013 عنه في الدول الصناعية. وزيادة الطلب هذه هي في آسيا (الصين والهند)، ودول الشرق الاوسط (الاقطار النفطية منها بالذات) وفي قارة اميركا اللاتينية، ما يعني ان الطلب سيزيد في منتصف هذا العقد في دول العالم الثالث، عنه في الدول الصناعية، للمرة الأولى في تاريخ الصناعة النفطية العالمية. لكن على رغم هذه الزيادات الاساسية في الطلب، وتحمّل اقطار «اوبك» تزويد الاسواق بالنفوط الاضافية، نظراً الى الانخفاض النسبي في الامدادات من الدول غير الاعضاء في المنظمة، فإن موازين العرض والطلب في الاسواق لا تزال متوازنة، ولا نسمع عن نقص في الامدادات، او ان احدى الدول الاعضاء قد اخفقت في الالتزام بعقودها الإمدادية. وقال النعيمي في هذا الصدد: «تظل الطاقة الانتاجية الفائضة لدى منظمة اوبك نحو ستة ملايين برميل يومياً» منها «نحو اربعة ملايين برميل يومياً في المملكة العربية السعودية هذا العام». هذا يعني ان لدى اقطار المنظمة طاقات انتاجية فائضة تستطيع تلبية الامدادات اللازمة للأسواق في حال الحاجة اليها، وبسرعة. هذه ظواهر اساسية في صناعة النفط العالمية تدفع بالأسعار الى مستويات اعلى. لكن تصاحب هذه الظواهر، عوامل اخرى تزيد من ارتفاع الاسعار. فعلى سبيل المثال، يؤدي توقف الانتاج الموقت لأسباب صناعية او طبيعية، الى ازدياد المضاربات والتوقعات حول توازن العرض والطلب، وهذا يدفع بدوره الى اسعار اعلى. وما يفاقم حدة المضاربات، تصريحات بعض المسؤولين في منظمة «اوبك» بأن المنظمة لن تجتمع لمراجعة سياستها الانتاجية، حتى لو وصلت الاسعار الى 110 دولارات للبرميل او 120 دولاراً. فتصريحات من هذا النوع لا تدل على مسؤولية، لأنها تعطي انطباعاً بأن الاقطار الاعضاء في «اوبك» غير معنيين بالارتفاع السريع لأسعار النفط، كما انهم غير مستعدين للتعامل بمسؤولية مع هذا الامر على رغم الأخطار الناجمة عن هذا الازدياد السريع في اسعار النفط. وحقيقة الامر، ان بعض اعضاء المنظمة من المنتجين الكبار يتعاملون مع زيادة الطلب او انخفاضه، بطرق غير رسمية او علنية من خلال زيادة انتاجهم او خفضه وفق الظروف، وضمن الحدود المناسبة لحصصهم الانتاجية المتفق عليها في المنظمة. لقد بدأ ارتفاع اسعار النفط والسلع الاساسية الاخرى، يثير جدلاً على مستويات عليا، خصوصاً بعد انتفاضات الغلاء في الكثير من الدول، منها الاقطار العربية نفسها. وقد حذر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في خطاب الاسبوع الماضي من ذلك، مشيراً الى ضرورة وضع حدود لارتفاع اسعار السلع الاولية، ومنها النفط، لما لها من تأثير في «تظاهرات الخبز» والآثار السلبية على «النمو الاقتصادي العالمي». كما لفت الى ضرورة وضع نظم وقيود على ارتفاع اسعار السلع الاستراتيجية، كما هي الحال مع الاجراءات التي تمت الموافقة عليها دولياً لوضع حد لتقلب اسعار العملات. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة