عقد المبعوث الأممي للأزمة السورية ستيفان دي ميستورا جولة محادثات ثالثة مع وفد النظام السوري برئاسة بشار الجعفري في مقر الأممالمتحدة في جنيف أمس، تركزت حول مكافحة الإرهاب. كما عقدت اجتماعات فنية بين خبراء من الوفد السوري وفريق دي ميستورا. وقالت مصادر روسية مطلعة في جنيف إن الجولة الثامنة من المحادثات، ستُعقد في شهر أيلول (سبتمبر) المقبل. ونقلت وكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية، عن مصدر لم تكشف هويته، قوله إن «جولة محادثات جديدة ستجرى في جنيف في أيلول المقبل، عقب اجتماع آستانة في أواخر الشهر المقبل». في موازة ذلك، أكد رئيس «منصة موسكو» قدري جميل اقتراب أطراف المعارضة من الوصول إلى تفاهمات تؤسس لتشكيل وفد موحد في المستقبل. وقال جميل ل «الحياة» إن أطراف المعارضة تمكنت من تقريب وجهات نظرها حول واحدة من السلات الأساسية المطروحة للبحث وهي مسألة الدستور و «نحن الآن متفقون بنسبة 75 إلى 80 في المئة، وتم تذليل كل العقبات الرئيسة وتفاهمنا على 3 أوراق شاملة». وأكد أن ثمة رؤية مشتركة تمت بلورتها حول المبادئ وآليات وضع الدستور الذي يجب أن يصاغ من جانب السوريين أنفسهم، لافتاً إلى أن الحوارات تمت بالاستناد إلى مبادئ بيان جنيف والقرار الأممي 2254، مشيراً إلى «تنازلات قدمت من كل الأطراف لتقريب وجهات النظر». ولفت جميل إلى أن نجاح أطراف المعارضة في تقريب وجهات نظرها تم بفضل اللقاءات المباشرة والعمل المشترك و «نجحنا في كسر الجليد، لأننا لم نتحدث في شكل مباشر منذ سنوات وكان كل طرف يبني مواقفه على أساس معطيات وسائل الإعلام أو وسطاء». وأشار إلى أن جولة المفاوضات الحالية في جنيف شهدت ثلاث جلسات عمل مكثفة لأطراف المعارضة وتم تشكيل مجموعة عمل بين الأطراف لتسريع وتيرة المناقشات. وأقر بأن «العملية ليست سهلة والمواقف مازالت متباعدة حيال عدد من الملفات، لكن تقريب وجهات النظر ليس مستحيلاً كما أثبتت تجربة مناقشة الدستور». ولفت جميل إلى أن أطراف المعارضة بدأت خلال الجولة الحالية بمناقشة «الملف الاصعب» وهو موضوع «سلة الحكم» و «توقع البعض أن نقاشاتنا حول السلة الأكثر تعقيداً سوف تفشل وتؤدي إلى تفجير لكننا نواصل العمل واتفقنا على استمرار اللقاءات والنقاشات الفنية خارج إطار جنيف وفي الفترة الفاصلة عن الجولة المقبلة». وأضاف «الحد الأدنى المشترك موجود ومتفق عليه، وهو يقوم على بيان جنيف والقرار 2254 والتباينات في التأويلات وفي التفاصيل وهذا ما يتم العمل عليه». كما أعرب جميل عن قناعة بأن الفترة المتبقية لعقد الجولة المقبلة من المفاوضات في جنيف ستشهد تواصل العمل من أجل تقريب إمكان خوض الجولة الثامنة ب «وفد موحد للمعارضة» باعتبار أن «عملية تشكيل الوفد ستغدو شكلية إذا نجحنا في تقريب وجهات نظرنا، لأن العدد (التمثيل) في تلك الحال لن يكون له تأثير كبير إذا اتفقنا على النقاط الأساسية». وقال ممثل «منصة موسكو» مهند دليقان بعد لقاء مع دي ميستورا إن «منصة موسكو» وافقت على الورقة التي طرحها دي ميستورا لتقريب وجهات النظر بين النظام والمعارضة. وأوضح أنّ الوفود المعارضة تسعى للتوصل إلى المشاركة بوفد واحد في الجولة المقبلة من المحادثات. وتابع «نحن نأمل بأن نستطيع التوصل إلى وفد واحد في الجولة الثامنة... ما نسعى إليه هو وفد معارض واحد وليس موحد». وأوضح دليقان أنّ «اللقاءات على المستوى التقني في لوزان وجنيف ساهمت في تقريب المواقف لكنها ما زالت قليلة ونحن بحاجة إلى بعض الوقت للتوصل إلى التوافقات». واعتبر دليقان أنّ «الظرف الدولي ساهم في التقريب بين الوفود المعارضة». وتعقد الوفود المعارضة (الرياض، موسكووالقاهرة) ولأول مرة اجتماعات شبه يومية فيما بينها لتنسيق الرؤى وتوحيد المواقف. أعلن رئيس وفد «منصة القاهرة» فراس الخالدي أن المنصة وافقت على ورقة المبادئ التي قدمها دي ميستورا، لافتاً إلى وجود تقارب في الرؤى وتزايد الثقة بين منصات المعارضة. وقال الخالدي إن «التفاؤل ما زال موجوداً على رغم الصعوبات ونتوقع أن نصل إلى نتيجة وقاعدة مشتركة في نصوص يبنى عليها موقف تفاوضي واحد من جميع منصات المعارضة». وأشار الخالدي إلى أن «منصة القاهرة» تسعى للوصول إلى التفاوض المباشر من أجل البدء بالعملية السياسية «ولكن هذا بحاجة إلى الانتهاء من الأمور الإجرائية أولاً». في موازة ذلك، اعتبر عضو «الهيئة العليا للمفاوضات» عبدالحكيم بشّار، أن عملية توحيد الوفود المعارضة «لم تنضج بعد» بسبب الاختلافات المستمرة على شكل الحكم والرئيس السوري بشار الأسد. وقال موضحاً في حديث مع وكالة «سبوتنيك»: «لقد طلب المبعوث الخاص توحيد الوفد المعارض للدخول إلى المحادثات المباشرة، وفيما نسعى في الهيئة العليا من أجل توحيد الوفود المعارضة، إلا أننا نعتبر أنه لم ينضج بعد بسبب اختلاف وجهات النظر على المستوى السياسي في ما بيننا»، مضيفاً: «الخلاف الأساسي هو في شكل الحكم ودور الأسد في المرحلة المقبلة». وكان نصر الحريري رئيس وفد المعارضة السورية قال أمس، إن وفده تقدم بمقترحات للانتقال السياسي في سورية «ويحقق تقدماً في شأن القضايا المطروحة مع فرق الأممالمتحدة خلال الاجتماعات الفنية، لكن الحكومة السورية ترفض الدخول في المفاوضات السياسية. وأردف: «حتى هذه اللحظة نرى رفضاً مستمراً من جانب النظام السوري للمشاركة في أي تفاوض سياسي. لذا لا يزال على موقفه القديم رافضا الاعتراف بأي قرار لمجلس الأمن ولن يشارك في أي مناقشات سياسية أو مفاوضات حتى اللحظة الراهنة». وأكد أن على الأممالمتحدة أن تضغط على وفد الحكومة السورية ليشارك بجدية في العملية التفاوضية وأن تُحمله مسؤولية رفض ذلك. وكان دي ميستورا قد اقترح في ورقة غير رسمية قدمها للمعارضة والنظام في آذار (مارس) الماضي تسوية في سورية تقوم على دولة مدنية تعددية، يقرر فيها السوريون مستقبلهم من خلال انتخابات ديموقراطية. وحددت الورقة 12 نقطة، وسلمتها إلى الوفود المشاركة في المحادثات السورية في جنيف. وتنص الورقة على أنه «ينبغي على الشعب السوري وحده أن يقرر مستقبل بلاده بالوسائل الديموقراطية، ومن خلال صناديق الاقتراع، وأن يكون له وحده الحق في اختيار النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الخاص بهم من دون أي ضغط أو تدخل خارجي». كما تضمنت الورقة مقترحات للتسوية ترفض الإرهاب بكافة أشكاله، وتعرض حماية اللاجئين، ومنحهم الحق في العودة إلى ديارهم. وتشير الورقة إلى أن الدولة السورية ينبغي أن تكون «ديموقراطية وغير طائفية» وقائمة على أساس المواطنة، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، وحماية الوحدة الوطنية، والاعتراف بالتنوع الثقافي للمجتمع السوري، وحماية الحريات العامة. كما طالبت بأن تلتزم الدولة ب «الوحدة الوطنية، والتمثيل العادل في إدارة البلاد من المحليات إلى المحافظات والأقاليم». إلى ذلك، نفى أليكسي بورودافكين، مندوب روسيا في محادثات جنيف، اتهامات موجهة إلى موسكو من المعارضة السورية، بأنها تستخدم منصتي «موسكو» و «القاهرة» لتقويض المفاوضات السورية. وقال الديبلوماسي الروسي إن «الهدف من هذه التصريحات الكاذبة تحميل روسيا مسؤولية غياب مفاوضات مباشرة بين المعارضة السورية ودمشق». وجاء رد بورودافكين تعليقاً على تصريحات أدلى بها بعض الدبلوماسيين الغربيين مفادها أن موسكو تستخدم المنصتين المذكورتين لإفشال تشكيل وفد معارض موحد ومنع إطلاق مفاوضات سورية مباشرة في جنيف، قال بورودافكين: «إن منصتي موسكووالقاهرة هما الأكثر استعداداً لمفاوضات مباشرة لكون مواقفهما بناءة وواقعية إلى درجة أكبر من موقف منصة الرياض». وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قد طالب المعارضة السورية بأن تتخلى عن أسلوب الإنذارات والاشتراطات المسبقة في المفاوضات الجارية في جنيف، مشدداً على ضرورة أن تتفاوض المعارضة مع الحكومة، بدلاً من المطالبة بتغيير النظام.