عانق السعوديون خلال صيف هذا العام سلة من الفعاليات المنوعة ضمن روزنامة الترفيه التي أطلقت بالتزامن مع عيد الفطر، وما يلفت الانتباه العناية الجديرة والمساحة الكبيرة للمسرح، بوصفه واحداً من سبل الترفيه أو الإشباع الفني، إذ بدأت السنوات الأخيرة تشهد عودة مظفرة لأضواء المسرح السعودي بعد فوات حظه منذ سنوات وانقطاع أثره إلا من اجتهادات مبعثرة لم تأت ضمن سياق مؤسسي كما هو عليه الحال اليوم. أسماء ووجوه مسرحية شهيرة في العالم العربي، بدأت تطل عبر خشبة المسرح السعودي اليوم، إذ يسافر الممثل المصري المعروف محمد سعد «اللمبي» بحقيبة قفشاته وكراكتراته المعروفة في مدن المملكة هذه الأيام، وقبله فعل الممثل الكوميدي الكويتي طارق العلي، فضلاً عن ممثلين سعوديين شاركوا في ليالي العيد مثل فايز المالكي الذي عوض غيابه التلفزيوني في شهر رمضان بحضور مسرحي خلال أيام العيد. وبذلك شهدت أيام العيد والصيف في السعودية عودة المسرح، أو عودة الحياة إليه بعد انقطاع أو عزوف عنه خلال المرحلة السابقة لأسباب متعددة، منها الانحياز الكبير إلى التقنيات الجديدة بوصفها منصات عرض المحتوى المتنوع والحر، ولكن بعض حياة وضوء يتسربان إلى خشبة المسرح السعودي الذي يحتفل بعدد من المناسبات عبر إنتاج محلي أو استقطاب نجوم من خارج البلاد. تاريخ المسرح في السعودية قديم جداً، إذ يعبر عن أصالة هذا الفن، حتى في أوج تنافس التيارات الفكرية في الحراك السعودي، فالمسرح كان وسيلة أو سلاحاً للتعبير والمزاحمة في الفضاءات الاجتماعية، وقد وظفت مساحاته الفنية لتحقيق انتشار أكبر لكل فريق. ففي عام 1928 قدمت مسرحية بعنوان «حوار بين جاهل ومتعلم» في القصيم أمام الملك عبدالعزيز، وقبلها ب18 عاماً أقيمت في العهد التركي العثماني مسرحية في المدينةالمنورة عام 1910. فيما ظهر أول نص مسرحي مكتوب عام 1932، وهو من تأليف الشاعر حسين عبد الله سراج، الذي أتم دراسته بالجامعة الأميركية في بيروت. كما كتب سراج كذلك عام 1943 نصاً مسرحياً آخر حمل عنوان «جميل بثينة»، ثم عام 1952 كتب «غرام ولادة». فيما قام الدكتور عصام خوفير بمحاولات ذات وزن وتأثير في كتابة النص المسرحي عبر عناوين مختلفة مثل الدوامة والسعد وعد، وكان يعوق تنفيذها أحياناً العنصر النسائي غير المتوفر، وهو الأمر الذي بقي مستمراً حتى الآن. وفي عام 1960 بدأت أولى محاولات المسرح العربي في السعودية على يد الشيخ أحمد السباعي، إذ قام بتأسيس فرقة مسرحية في مكة، وأنشأ معها مدرسة للتمثيل، سماها «دار قريش للتمثيل الإسلامي»، وبدأت الاستعدادات للقيام بأول عرض مسرحي، غير أن الظروف حالت دون ذلك وأغلقت دار العرض. بعد ذلك أخذ المسرح السعودي يتطور ويثبت جدارته شيئاً فشيئاً، يرفده في ذلك الاهتمام الذي كانت توليه وزارة المعارف السعودية والمعاهد الثقافية التي كانت تندفع للمشاركات الخارجية، كما شاركت الرئاسة العامة لرعاية الشباب بجهد في ذلك، بابتعاثها عدد من الفنانين في مجالات عدة، منها التمثيل والإخراج والديكور والتأليف لدول عربية وخليجية واجنبية عدة ولم يتكرر هذا البرنامج بعد ذلك. وفي المقابل شهدت الحالة الفنية والمسرحية في السعودية ظهور أسماء حقيقية ومؤثرة في أجيال مختلفة ومتعاقبة تشهد بنمو وتطور الفن المسرحي، قبل أن يتورط الخليج في أزمة عاصفة تركت تأثيراُ اجتماعياً وثقافياً كان من بينها تراجع الاهتمام بالمسرح والعمل على تطويره. ولكن الواقع السعودي أخذ يتعافى رويداً رويداً ويعود إلى سابق عفويته وطبيعته، عبر إعادة استثمار أكثر توسعاً ووعياً للمجالات التي شهدت ركوداً غير مبرر، وخلال ذكرى اليوم العالمي للمسرح في 27 آذار (مارس) من كل عام، جاءت الفعاليات السعودية بالتزامن مع هذا الموعد تتويجاً للعودة المظفرة التي سيعرفها المسرح السعودي، فيما احتفى بعد ذلك المسرحيون بذلك اليوم (27 مارس) عبر فعاليات متنوعة في مناطق مختلفة من المملكة، ولعل أبرزها عودة مسرح التلفزيون بعد انقطاع طويل. ومن خلال عرض مسرحية «تشابك»، لفرقة الوطن المسرحية والحاصلة على جائزة أفضل عرض في مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، وعروض مسرحية أخرى وورش عمل في الكتابة والإخراج المسرحيين، وإعادة الحياة لهذا الفن الذي كاد يندثر.