في أطروحتها لنيل درجة الماجستير من جامعة الملك عبدالعزيز، التي صدرت حديثاً في كتاب بعنوان «المسرح السعودي بين البناء والتوجس» (دار «شرقيات»، القاهرة) ترصد الشاعرة حليمة مظفر خطوات المسرح السعودي منذ ثلاثينات القرن الماضي حتى الآن، وهي خطوات بحسب ما وصفتها مظفر، متوجسة، لأنها جاءت في مجتمع محافظ، ومن ثم لم يكن أمام الأعمال الدرامية غير أن تظل حبيسة الأوراق. هذا ما انتهت إليه - أو ربما بدأت منه - مظفر حين قصرت دراستها على النصوص لا العروض المسرحية، خصوصاً في فترتي الثمانينات التي عرفت صدور 23 نصاً، والتسعينات التي صدر فيها 15 نصاً. وفي رأيها أن الازدهار الذي شهدته الثمانينات أحدثه تأسيس «جمعية الثقافة والفنون» التي ساعدت على نشر النصوص الدرامية، بينما جاء تراجع المنتج الدرامي في التسعينات لفقدان الأمل في وجود مسارح يمكنها تحويل النصوص إلى أعمال يراها الجمهور. وتعود بدايات المسرح السعودي إلى عام 1932 حين أصدر الشاعر حسين عبدالله سراج مسرحيته «الظالم نفسه»، وتبعه أحمد عبدالغفور عطار صاحب بعمله «الهجرة» عام 1946، وحبيب بخش الذي أصدر مجموعة مسرحيات قصيرة عام 1950 بعنوان «حقائق وأحلام». ثم أصدر حسين سراج مسرحيته الشعرية الثالثة «غرام ولاّدة» عام 1952، وبعد عامين أصدر عبدالله عبدالجبار مسرحيتين بعنوان «عم سحتوت» و «الشياطين الخرس». وذهبت مظفر إلى أن مسرحية «في الليل لما خلي» لعصام خوفير هي العمل الرائد في تجربة المسرح السعودي، لأنها كتبت بالنثر واللهجة المحلية. لكن البعض لم ترق له الكتابة بما يمكن تسميته العامية السعودية، لكن مسرحية «طبيب بالمشعاب» (1973) كانت الأكثر انتشاراً وقبولاً لأنها كانت العمل الأول الذي تم تمثيله وإخراجه، وكانت السبب الأول في تأسيس «جمعية الثقافة والفنون»، وبعدها بدأ المسرح الجامعي في الظهور. ورأت مظفر أن العادات المحافظة كانت حجر العثرة في طريق تقدم الحركة المسرحية، حتى أن السعودية ليس فيها مسرح تجاري، والتجربة الوحيدة التي عرفها المجتمع السعودي هي مسرح «دار قريش للتمثيل الإسلامي» الذي أقامه الأديب أحمد السباعي، وكان من المنتظر أن يعرض عملي «فتح مكة» و «مسيلمة الكذاب» عام 1961، لكن التجربة انتهت قبل الافتتاح بأسبوع واحد، نظراً الى مخاوف من أن يتحول مسرح السباعي إلى ملهى ليلي، فصدر أمر بإغلاق المسرح مع أن السباعي كان جهز الديكورات وكل مستلزمات خشبة العرض. وهكذا يتوقف الأمر على المسرح المدرسي الذي يعد الأقدم تاريخياً، لأن أول تجربة له كانت عام 1952، ثم المسرح الجامعي الذي بدأ عام 1975، ثم أنشطة النوادي الأدبية وفروع جمعية الثقافة والفنون، وأخيراً مسرح الجنادرية الذي بدأ عمله عام 1993، ليكون بمثابة مهرجان مسرحي تعرض فيه شتى الفرق الموجودة أعمالها في شكل سنوي، ويعد هو التجلي الأعظم لفكر الحركة المسرحية السعودية. وقد أثر هذا النمو المتوجس على الفكر المسرحي، فبدأ كتاب المسرح - بعد الرعيل الأول - يتخلون عن وجود شخصيات نسائية في نصوصهم، كما أنهم اتجهوا إلى السرد الحكائي لا التوتر الدرامي، وفي النهاية انحصرت مخيلة الكتاب في إنتاج نصوص للقراءة لا للتمثيل والإخراج. وعلى رغم أن المواضيع تباينت من التاريخي إلى الاجتماعي إلى الأسطوري، غير أن النبرة الخطابية والرؤية الوعظية ظلت الإطار المهيمن على معظم النصوص، كما قلّت الأعمال المسرحية التي تتناول حياة المرأة كما قلّت كاتبات المسرح، وزادت الأعمال المكتوبة بالفصحى على حساب المكتوبة باللهجة المحلية. وذهبت مظفر في الفصل الأخير من كتابها، وهو عن أثر الثقافة الاجتماعية في المسرح، إلى أن هيمنة الثقافة المحافظة خلعت على المسرح كل ملامحها المتفردة، ما أحدث سمات إيجابية، من بينها إظهار الخصوصية الواضحة للمجتمع، وجعل المؤلفين يتبنون الكثير من القضايا التاريخية البعيدة عن الهم النسائي. لكنّ عدم انتشار المسرح كثقافة أوجد أزمة في التعامل مع الفضاء المسرحي، وأظهر عدم توافق بين المكان المكتوب والمكان المعد على الخشبة، فضلاً عن غياب العنصر.