ارتفاع عجز الميزانية الأميركية إلى 1,8 تريليون دولار    استشهاد 30 فلسطينيًا في قصف للاحتلال الإسرائيلي على منازل شمال قطاع غزة    دول غربية تدعو للسماح بالدخول العاجل للمساعدات الإنسانية إلى السودان    هل تطلق «جثة السنوار» سراح المحتجزين الإسرائيليين ؟    الحرف اليدوية جسر يربط بين الثقافات في الرياض    أجواء طريف المعتدلة تحفز المواطنين والمقيمين على ممارسة رياضة المشي    نقل خدمات من كتابات العدل إلى السجل العقاري    الأهلي يتغلّب على الخليج بثلاثية    "مجمع الملك سلمان العالمي" يُشارك في"المؤتمر المتخصّص بالإطار الأوروبي المرجعي للغات"..    محافظ أبو عريش يرعى حفل تكريم 20 كفيف وكفيفة من هواة ركوب الخيل    المملكة تستضيف مؤتمر المجلس العالمي للبصريات 2026 بالرياض    المقيم في السعودية بين الاستقرار والفرص    مروان الصحفي يسجل أول اهدافه في الدوري البلجيكي    دوري روشن: الاتحاد يستضيف القادسية لإستعادة الوصافة والرائد في مواجهة الوحدة وضمك يلتقي التعاون    المملكة تستضيف كأس السوبر الإسباني للمرة الخامسة يناير المقبل في جدة    اليوم العالمي لسرطان الثدي"الوقاية هي الغاية" مبادرة أنامل العطاء التطوعي بجمعية بر المضايا بجازان    مستشار مانشيني يُشيد بتطور الدوري ويُدافع عن تجربة احتراف عبدالحميد    أحمد أبو راسين يرزق بمولوده "نهار"    محمد جرادة يحتفل بعَقْد قِرَان ابنته "ريناد"    ترامب يُحمل زيلينسكي مسؤولية اندلاع الحرب مع روسيا    البحرين تعلن وفاة الشيخ حمود بن عبدالله آل خليفة    «أمن الطرق» ينبه قائدي المركبات من الضباب    لأول مرة في تاريخ «الآسيان».. استضافة دول الخليج والصين في ماليزيا العام القادم    تركي آل الشيخ يعلن عن شراكة استراتيجية مع "BOXXER"    النصر ينجو من الشباب    ضبط 6 إثيوبيين في عسير لتهريبهم (120) كجم "قات"    بوتين: السعودية المكان المناسب لعقد قمة السلام    الجمعية الجغرافية الملكية تقيم معرض "نهضة الجزيرة العربية"    مفتي موريتانيا: مسابقة خادم الحرمين لحفظ القرآن لها أهمية بالغة    محمية الملك سلمان... ملاذ آمن وبيئة خصبة لتكاثر غزال الريم    "خويد": أول جمعية متخصصة للفنون الأدائية والمسرح في المملكة    المعرض الأول لسفرجل بالعارضة بجازان    فريق أنوار التطوعي يفعِّل اليوم العالمي لسرطان الثدي بمستشفى بيش العام    خطيب المسجد النبوي: القلب ملكُ الجوارح وسلطانه فبصلاحه يصلُحون وفسادهم بفساده    خطيب المسجد الحرام: يتعجل المرء في الحكم بين المتنازعين قبل التبين    «الزكاة والضريبة والجمارك» تحبط تهريب 1.2 مليون حبة كبتاجون بمنفذ «حالة عمّار»    السياحة السعودية تعزز حضورها الدولي وتستهدف الصين    الصفقة المرتقبة.. جثة السنوار مقابل الأسرى الإسرائيليين    ارتفاع أسعار النفط إلى 74.45 دولار للبرميل    فريد الأطرش .. موسيقار الأزمان    «إندبندنت»: النساء بريئات من العقم.. الرجال السبب!    السياسة الخارجية تغير آراء الناخبين في الانتخابات الأمريكية    «تحجّم».. بحذر!    اللثة.. «داعمة الأسنان» كيف نحميها؟    أبسط الخدمات    مفهوم القوة عند الغرب    التسويق الوردي!    تركي بن طلال.. العاشق المحترف    الابتعاث للدراسة الأكاديمية للباراسيكولوجي    الدولار يدخل معركة الرئاسة الأمريكية    محمية الشمال للصيد.. رؤية الحاضر بعبق الماضي    برقية شكر للشريف على تهنئته باليوم الوطني ال94    متوفاة دماغيًا تنقذ ثلاثة مرضى في الأحساء    نباح من على منابر الشيطان    السعودية إنسانية تتجلى    نائب أمير تبوك يستقبل أعضاء جمعية الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليا    أمين الطائف يقف على المشاريع التطويرية بالمويه وظلم    26 من الطيور المهددة بالانقراض تعتني بها محمية الملك سلمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن محاربة العربية في إسرائيل
نشر في الحياة يوم 11 - 07 - 2017

لا تنظر إسرائيل إلى الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها منذ 1948 على أنهم أقلية قومية. في وثائقهم وإحصاءاتهم الرسمية ونتاجهم الأدبي وبحوثهم الأكاديمية وخطاباتهم السياسية والإعلامية والدعائية وخططهم الإسكانية، يشير الإسرائيليون إلى هذه الأقلية بمفاهيم ومصطلحات تخلو من دسم البعدين الوطني الفلسطيني والقومي العربي. فهم يوصفون ويصنفون إما وفق الديانة والطائفة باعتبارهم جماعات غير يهودية، وإما وفق المناطق التي يتركزون فيها كالقول إنهم سكان المثلث والجليل وبدو النقب والمدن المختلطة. إنكار القواسم ومعطيات الحياة المشتركة التاريخية والإثنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية بين أبناء عرب أو فلسطينيي 48، هو أحد أهم ثوابت التعامل الصهيوني مع هذه الأقلية. وكان هذا التعاطي ومازال من أبرز أدوات إسرائيل الموظفة لنفي إدراجها ضمن الدول المتعددة القوميات. ومن المعلوم أن إقرار دولة ما بهذه التعددية، يحتم عليها أداء واجبات تجاه المجتمعات القومية فيها وضمان حقوقها، كصيانة التراث الثقافي والديني واللغوي وصولاً إلى تقاسم الموارد الاقتصادية والسلطة السياسية وصناعة القرارات.
المفارقة هنا أن كثافة الإجراءات القانونية وعمليات التلفيق الإسرائيلية المتعددة العناوين الرامية إلى ترسيخ فكرة عدم انتماء فلسطينيي 48 إلى جوهر وطني أو قومي واحد، لم تفلح على الإطلاق. لقد تصورت النخب الصهيونية الإسرائيلية الحاكمة أن مرور الوقت بالتعامد مع هذه الإجراءات والعمليات المبرمجة بدقة، التي سهر عليها خبراء في علوم التاريخ والاجتماع السياسي والدعاية والنفس وغسيل الأدمغة، ستحول العرب إلى مجرد موجودات تقنع بالحياة على هوامش الدولة وحواشيها، فلا هم من صلبها تماماً ولا هم خارجها كلياً. بيد أن ما حدث كان تقريباً عكس المأمول، فبعد أكثر من ستين عاماً باتت الأقلية الفلسطينية العربية أكثر تبلوراً وتأطراً وانخراطاً في الصراع السلمي الديموقراطي ضد التجمع الاستيطاني الصهيوني على أسس قومية.
في مواجهة هذه الحقيقة المؤلمة، ذهب بعض غلاة الصهاينة بزعامة آفي ديختر وزير الأمن الأسبق من حزب كاديما، إلى أن بإمكانهم تحقيق اختراق نوعي فارق على طريق تفكيك أسس الوجود القومي لهذه الأقلية العصية على الذوبان، العاصية للمشروع الصهيوني، وذلك بإلغاء اللغة العربية كلغة رسمية في الدولة. ويعتقد ديختر الذي تقدم إلى الكنيست بمشروع قانون بهذا المعنى، بمساندة خمسين عضواً آخرين، إن «هذا التوجه سيؤكد مبدأ إسرائيل كدولة يهودية». وعلى سبيل التبرير القانوني ينبهنا الرجل إلى أن «قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 يشترط أن تكون إسرائيل دولة يهودية».
واضح أن ديختر وبطانته لا يأبهون لما ينطوي عليه قانونهم العتيد من أبعاد عنصرية ولا يرون، كما يقولون بأفواههم، تناقضاً بين هذا القانون وبين كون إسرائيل دولة ديموقراطية. على أن سقم هذا الطرح الذرائعي وتهافته يتجليان كشمس الظهيرة حين نستذكر حقائق كثيرة، نكتفي باستحضار ثلاث منها في هذا المقام.
الحقيقة الأولى، أن القرار181 طالب أيضاً كلاً من الدولتين المقترحتين بإعلان دستور يضمن حقوق الأقليات طبقاً للمبادئ الديموقراطية. وكان الغرض المضمر من هذا النص صيانة الحقوق الديموقراطية للعرب الذين سيبقون داخل الدولة اليهودية المقترحة، وكان قوامهم وقتذاك يقترب من نصف عدد سكان هذه الدولة. وبديهي أن هذه الحقوق تعني، بالإضافة إلى أشياء أخرى، الحفاظ على حقوقهم السياسية وتراثهم القومي الحضاري والثقافي وفي القلب منه لغتهم الأم.
الحقيقة الثانية، أن المنطق السوي لا يقبل الخلطة الجهنمية التي تود إسرائيل تسويقها بين الخلق، وقوامها إمكانية المزاوجة بين الديموقراطية وبين اليهودية القحة لدولة يبلغ العرب غير اليهود فيها زهاء 20 في المئة من سكانها عدداً.
الحقيقة الثالثة، إن تلطي ديختر وصحبه بالقرار 181 يثير التساؤل عما إذا كانوا بوارد الاسترسال وتطبيق بقية بنود هذا القرار، أم تراهم يؤمنون ببعض القرار ويكفرون ببعض؟
إلى ذلك ونحوه يحق الاستفسار الممزوج بالسخرية، عما إذا كان صهاينة اليوم أكثر حصافة وأبعد نظراً قياساً بآبائهم المؤسسين من قدامى العنصريين والتابعين لهم بغير إحسان، بحيث وعوا ما لم يعه الأوائل، وتخيلوا أن وأد العربية في وثائق دولة يحيط بها العرب بلغتهم العريقة من كل الجهات، سينتهي بوأدها في عقول أبناء الأقلية العربية وألسنتهم داخل إسرائيل؟ لقد عميت بصيرة ديختر، حتى ظنَّ أن العربية في إسرائيل مجرد رطانة عابرة، كبقية الرطانات التي ينطق بها المستجلبون من مئة دولة أو أكثر هناك. ولو كان هذا العنصري قارئاً مستنيراً لِما حوله، لأدرك أن العبرية التي يريدها لغة رسمية وحيدة في دولته اتكأت طويلاً ولا تزال على النهل من العربية التي يمقتها، وإنها تعاني الأمرّين من تأفف نحو مليون روسي ومئات الآلاف من المستوطنين الآخرين من استخدامها، مستعيضين عنها بلغاتهم الأم. بل لعله لا يعلم أن العربية ما زالت لغة دارجة محببة ليهود العالم العربي في دولته، يتحدثون بها في بيوتهم ويستعينون بها في ثرثراتهم ومسامراتهم الحميمة. فكيف الحال بالنسبة إلى عرب أو فلسطينيي 48 الذين يقعون خارج بوتقة الصهر الصهيونية الفاشلة؟
* كاتب فلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.