إنك تعجب من أناس جعلوا حياتهم مرتبطة بالعنف والانتقام، كارهة للحب والوئام والانسجام، عاشوا أجواء التفرد، وعشقوا أوقات الأنانية، وسلطوا أرواحهم بكل ما تعنيه الكلمة ضد من يخالفهم أو يعاديهم من دون نظر صحيح أو منهج واضح، مستقين ذلك من وحي الهوى والشيطان، تاركين خلفهم وحي بارئهم معرضين عن كلام موجدهم وخالقهم، (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، تاركين خلف ظهورهم هدي سيد البرية ونور البشرية، متابعين للعقول الشاردة الباردة بليدة الإحساس التي لا ترقب في عالم ولا جاهل إلاً ولا ذمةً ولا خلقاً ولا أدباً. وحسبك فيهم أن يعاتبوا بما عاتب النبي «صلى الله عليه وسلم» بعض أصحابه «رضي الله عنهم» حين قال لهم «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكن أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»، وشتان بين ما وقع فيه الصحابة من جهد في خاصة أنفسهم، وحب لبذل الخير، وبين ما شردت وضلت له بعض النفوس التي آذت وآنت غيرها. لقد كان هدي النبي «صلى الله عليه وسلم» وسنته السماحة في حياته كلها، كان سمحاً إذا لقي سمحاً، إذا فارق سمحاً، إذا عاتب سمحاً، إذا صاحب سمحاً، إذا باع سمحاً، إذا اشترى فمن رغب عن هدي المصطفى وسنته فإنه ممن امتلأ قلبه إعجاباً بنفسه وأخذاً برأيه واستكباراً وعلواً في حياته من دون رجوع إلى حق ولا سنة ولا كتاب منير . لقد رسم النبي «صلى الله عليه وسلم» سماحة الإسلام كما أرادها الله تعالى، لا كما أرادها المتشددون المتزمتون، حتى صاغ المصطفى منهجاً عدلاً وطريقاً بيناً وسطاً يصبو إليه الصادقون ويتبغض إليه الكاذبون. لم يكن هم النبي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام أن ينتقم لنفسه، أو يتمنى هلاك قوم، أو يتحرى موت أحد، لأجل خاصة نفسه، إن الهم الذي كان يحمله محمد «صلى الله عليه وسلم» هو قوله يوم الطائف «لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً»، وقوله بعد نطق اليهودي لكلمة التوحيد «الحمدلله الذي أنقذه بي من النار»، واليوم شاهد كيف ضاعت السماحة من أناس زعموا اتباع منهجه صلى الله عليه وسلم، فسلكوا الطريق الأعنف وليس الأحمد، مستدلين بنصوص لووا معانيها على ما أرادت قلوبهم وأشربته أهوائهم، وأيم الله لو تجردوا للحق لعلموا أن سماحة الإسلام ويسره تكون مع الصديق والعدو، ومع القريب والبعيد، بل ومع الصالح والفاجر، والمسلم والكافر، ليأخذوا بهم إلى طريق الهدى والنور. ولعلموا كيف يفرقون بين حق السيف وطريق الحيف، وأن السيف الذي حمله محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو لإقامة العدل وإرساء الحق، وأن السيف المصلت الذي حملته بعض الأعناق ما هو إلا سيف باهت رخيص قام على غضب في غير حق، وسار على طريق من دون مرشد. إمام وخطيب جامع الإمام ابن ماجه [email protected]