أي حكومة سيتمكن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من تشكيلها، في ظل رفض قوى «14 آذار» المشاركة؟ كيف تكون حكومة ميقاتي فرصة لصيغة «لا غالب ولا مغلوب» في لبنان، كما قال الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله، رغم إقصاء الرئيس سعد الحريري بفعل خديعة كما يعتقد، ومعه كثيرون من اللبنانيين؟ كيف تكون حكومة للإنقاذ الوطني كما يريدها نصرالله وميقاتي، بعدما وصل الشرخ الى قعره الأعمق، وفريق «14 آذار» المتآكلة صفوفه باستكمال «الانقلاب» الجنبلاطي، وبصدمة خروج الحريري من رئاسة الوزراء، تُرِك ليواجه مصيره؟ والأهم، إذا جاز اعتبار المحكمة الدولية الورقة الأخيرة في جعبة «14 آذار»، أن ما كانت تصر عليه المعارضة سابقاً من تضمين البيان الوزاري لأي حكومة تخلف حكومة سعد الحريري، تخلياً لبنانياً رسمياً عن المحكمة بكل موجباته، سيكون العقدة الأصعب على طريق طموحات ميقاتي... ومعها – إذا استجاب مطلب «حزب الله» – لا يمكن ان تستقيم أي مصالحة وأي إنقاذ. فمن نافل القول ان زعيم «تيار المستقبل» لن يقبل بالتخلي عن المحكمة ولا بمنطق «تحييد لبنان»، بعد كل الذي حصل منذ وقف الرياض وساطتها في إطار المسعى السعودي – السوري. يصح ذلك ليس فقط لأن الورقة الأخيرة هي لدى غالبية أنصار «المستقبل» الرد على ما يعتبرونه «هجوماً سورياً – إيرانياً» لإسقاط المحكمة بالضربة القاضية، بعد محاولات ضرب صدقيتها... بل يصح ايضاً للرد على «خديعة» قلب طاولة الأكثرية النيابية التي كانت مضمونة الى جانب الحريري، قبل تأجيل الرئيس ميشال سليمان الاستشارات. فالأولوية الأولى لدى طرفي الصراع ستبقى المحكمة التي ستواصل مسارها بصرف النظر عما تقره حكومة الرئيس ميقاتي، مثلما بدت بين المفاصل الأولى في السباق الإيراني المحموم لتوجيه رسائل الى كل من يهمه الأمر في المنطقة وفي أميركا والغرب عموماً، بأن طهران قادرة على الرد كلما اشتدت الضغوط عليها. أما معركة المصير التي يخوضها «حزب الله» مع المحكمة منذ بدأ حملة لضرب صدقيتها، فانتقلت الى مرحلة متقدمة من السباق لإسقاطها لبنانياً: بين بيان وزاري (إذا تخلى عنها) ومنح حكومة ميقاتي الثقة في البرلمان، وبين إعلان المحكمة أسماء المتهمين بالضلوع في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري ورفاقه. فما قبل لائحة الاتهام شيء، وما بعدها مرحلة مختلفة، يعرف الجميع ان ارتداداتها قد تماثل 11 أيلول (سبتمبر) لبنانياً وإقليمياً. بعد «يوم الغضب» في الشارع، وصدمة «الخديعة» التي لم يقوَ سعد الحريري على إخفاء ذهوله بها، رغم مرارات سابقة مع مَن كانوا يوماً في طليعة الحشود المليونية ل «14 آذار»، لم يحجب دخان الغضب سُحب الغليان المذهبي في لبنان، مهما قيل عن «اللعبة الديموقراطية». وعلى وقع الغليان ذاته سيبدأ الرئيس ميقاتي مهمته من أجل «تفويت الفرصة على الفتنة» كما يقول، ولكن من دون ان يعلم الفريق الذي حصد خيبة الخديعة، كيف سيتسنى للرئيس المكلّف إسقاط الفتنة إذا أسقط البيان الوزاري لحكومته الغطاء الرسمي اللبناني عن المحكمة الدولية. والسؤال بالتالي إن كان ميقاتي بوسطيته التي فاخَر بها، قادراً ليس فقط على «تدوير الزوايا» كما يرغب السيد حسن نصرالله أو تبرير شعار «لا غالب ولا مغلوب» بعد إقصاء الحريري... بل كذلك على ابتداع الصيغة المستحيلة لتفادي إعلان البيان طلاقاً مع قرار دولي أنشأ المحكمة. ألم يكن هذا الطلاق سلاح المعركة التي خاضتها بشراسة المعارضة سابقاً، منذ فتح ملف «شهود الزور»، حتى إسقاط حكومة الحريري ومعها اتفاق الدوحة؟ حين يقول نجيب ميقاتي إن أولوية برنامجه هي المصالحة والوفاق، لا يمكن أياً من القوى اللبنانية ان يشكك في شرعية هذا الطموح الذي لم يحققه المسعى السعودي – السوري، ولا التحرك القطري – التركي لأسباب باتت معروفة، هي ذاتها التي جمّدت مشروع باريس ل «مجموعة الاتصال». ولكن، حيث يفشل التعريب، ويبقى التدويل ممنوعاً، أي حظوظ للبننة حل، سيظل لدى الحريري و «14 آذار» مفروضاً بقوة سلاح المعارضة واستقوائها بطهران؟ دخان يوم الغضب لم يحجب نار الفتنة، ومهما صدقت نيات ميقاتي ووعوده، تصح لدى أنصار «14 آذار» وسواهم، مساواة إسقاط المحكمة لبنانياً بإسقاط «لا غالب ولا مغلوب»... ويصح اعتبار إقصاء الحريري بلعبة سمِّيت ديموقراطية أقوى ضربات «8 آذار» في الشوط الأخير لنسف معادلة العدالة + الاستقرار في الداخل. وأما القوى الكبرى، وفي مقدمها واشنطن فلعل انهماكها بقضايا دولية أكبر، كما قيل، مكّن الأقلية السابقة من مباغتة الحريري ب7 أيار مضاعف ومكرر، عبر مَن كانوا أول حلفائه في ثورة الأرز ومسيرة العدالة.