أحيت زيارة وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس الاسبوع الماضي الى الصين العلاقات العسكرية الصينية - الاميركية التي قطعتها بكين قبل عام احتجاجاًَ على بيع واشنطن اسلحة إلى تايوان. واستقبال الوزير الذي جرى في مقر أركان القوات الاستراتيجية الصينية – «المدفعية الثانية» - اشارة قوية على تحسن الثقة في الحوار، لكنها قطعاً غير كافية لتهدئة القلق الأميركي حيال طموحات بكين الاقليمية. فالصين المتحفظة عن التصريح عن أهدافها العسكرية، تمرر معلومات تتعلق بالمواد الجديدة: صور عن تجارب الطيران للمقاتلة الخفية «جي-20» التي لم يعتقد أي مراقب أجنبي أنها بلغت المرحلة هذه من التطور؛ إكمال تجهيز حاملة طائرات سوفياتية سابقة تجاهلتها الولاياتالمتحدة وستدخل الخدمة عام 2012؛ هذا إلى جانب مقالات وتصريحات تتناول صاروخ بالستي مضاد للسفن قادر على تهديد نشر حاملات الطائرات الاميركية في غرب المحيط الهادئ، ما يعني تهديد قدرة الولاياتالمتحدة على الدفاع عن الحليف الياباني وعن حماية التايوانيين. وفي كانون الاول (ديسمبر) الماضي، اعتبر الاميرال الاميركي المكلف قيادة مسرح عمليات المحيط الهادئ أن تلك الصواريخ بلغت «قدرة عملانية أساسية» وان النظام الصاروخي سيدخل حيز العمل عام 2015. وكانت فكرة نشر صواريخ بالستية ضد حاملات الطائرات أقرب إلى الحلم اثناء الحرب الباردة. ودرست موسكو هذه الامكانية في السبعينات بواسطة الصاروخ «أر 27 كا» الذي يطلق من الغواصات والذي يرتفع الى اكثر من مئة كيلومتر، لكنها تخلت عن المشروع بسبب افتقار الصاروخ الى الدقة. اليوم، وفيما تتجه البلدان اكثر الى الصواريخ الجوالة التي تحوم فوق الماء لتحييد السفن المعادية، يبدو المشروع الصيني ثورياً. وبدأ التفكير في الصين باستخدام الصواريخ البالستية ضد السفن في المرحلة التي بدأ فيها في الاتحاد السوفياتي. لكن الأزمة في خليج فورموزا عام 1996 هي التي دفعت جمهورية الصين الشعبية الى تسريع الخطوة. وقد أمر الرئيس بيل كلينتون بنشر مجموعتي حاملتي طائرات لدعم أول انتخابات رئاسية بالاقتراع المباشر أجريت في تايوان في ظل التهديد الصاروخي الصيني. وفي مواجهة سيناريو السير التايواني البطيء نحو استقلال تدعمه القوة العسكرية الاميركية، أعطت اللجنة العسكرية المركزية الأولوية إلى تطوير القدرات غير المتناظرة لمنع السيطرة البحرية، مطلقة البرنامج الصاروخي المذكور. وحتى إعلان الاميرال الاميركي، كان تطوير الصين لصاروخ بالستي مخصص لمسرح العمليات قادر على توجيه ضربة إلى هدف تبلغ مساحته ملعبي كرة قدم ويتحرك بسرعة تصل الى 70 كيلومتراً في الساعة على بعد 2500 كيلومتر (من الاراضي الصينية) يبدو غير قابل للتصديق. فذلك يتطلب تكامل وسائط التوجيه لتصحيح مسار الصاروخ في مرحلة الهبوط وقدرة اجهزة استشعاره على العثور على حاملة الطائرات. ويستطيع الصاروخ انزال ذخائر تقليدية، ليس لإغراق حاملة الطائرات بل لإصابة جسر الإقلاع بالشلل ومنع الحاملة من اطلاق طائراتها. ويظهر البرنامج هذا كأحد عناصر استراتيجية ردع الضعيف للقوي. ويعدل الصاروخ، وهو في طوره الافتراضي، تعديلاً دقيقاً لقواعد اللعبة الاستراتيجية، في الميدان النفسي أولاً. ففي غياب المواجهة، يكون تصميم واشنطن على المجازفة بنشر مجموعة بحرية - جوية في حال وقوع أزمة اقليمية، هو المستهدف، في الوقت الذي تشهد آسيا البحرية توتراً عسكرياً. وتتجاوز آثار البرنامج هذا المسألة التايوانية لتمس آسيا الشرقية برمتها. ويعتمد على اغلاق البحار الواقعة بين الساحل الصيني وسلسلة الجزر الأولى التي تصل اليابان وتايوان والفيليبين واندونيسيا، وجميعها من شركاء الولاياتالمتحدة. وتتجمع هناك كل صراعات الصين الاقليمية: جزر ديايو/سنكاكو وحقول تشونكسياو للغاز المتنازع عليها مع اليابان؛ وجزر سبارتلي التي تطالب بها وتحتل بعضها كل من فيتنام وماليزيا والفيليبين. وبإشهار جبروتها التقني بالتزامن مع التأكيد على التنمية السلمية، تحيد بكين رغبات جيرانها. * باحثان في الشؤون الصينية، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 15-16/1/2011، اعداد حسام عيتاني