تكتسب قمة ال20 المقرر عقدها اليوم وغداً في مدينة هامبورغ بألمانيا أهمية كبيرة، ولا سيما أنها تعقد في ظروف استثنائية تمر بها منطقة الخليج بوجه الخصوص والشرق الأوسط بوجه العموم، إضافة إلى التحديات الاقتصادية العالمية، ومما أكسبها أهمية، ولا سيما للسعودية، هو تطرقها لملف «تمويل الإرهاب» الذي يعد أبرز الملفات المطروحة للنقاش على طاولة اجتماعات رؤساء دول ال20، وهو من الملفات الحيوية التي سيتم مناقشتها من الجوانب المالية والرقابية كافة. وأكّد اقتصاديون ل«الحياة» أن ملف «تمويل الإرهاب» يعد الأكثر خطورة وحساسية، وبخاصة مع ما يحدث اليوم من مشكلات كبرى في هذا الجانب تعاني منها غالبية دول العالم التي عانت من أزمات مرتبطة بالإرهاب، مشيرين إلى أن التحويلات المالية و«حوكمة» أنظمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من المحاور التي يفترض أن تنجز وتفعل بشكل أكبر لحماية القطاعات المالية، وكذلك ردع التنظيمات الإرهابية وحماية المجتمع الدولي من الكوارث الأمنية التي تقود لكوارث مالية واقتصادية، فدول العالم عانت من أزمات مرتبطة بالإرهاب الدولي، وهو ما قد يتسبب في تعاظم المخاطر المالية والاقتصادية. وقال المحلل الخبير الاقتصادي فضل البوعينين ل«الحياة»: «إن ملف تمويل الإرهاب من الملفات المطروحة على قمة ال20 وهي مرتبطة بالجوانب المالية والرقابية. لذا، لا بد أن تستغل المملكة هذا الملف للكشف عن تمويل قطر للإرهاب وفقاً للبيانات المتاحة لديها، وتحميل الدول الأعضاء مسؤولية ردع قطر عن دعمها وتمويلها الإرهاب ومحاسبتها على ما قامت به من قبل». وأضاف: «إن ملف تمويل الإرهاب الأكثر خطورة وحساسية وبخاصة مع ما يحدث اليوم من مشكلات كبرى في هذا الجانب، إذ تعاني دول العالم من أزمات مرتبطة بالإرهاب الدولي، ما يتسبب في تعاظم المخاطر المالية والاقتصادية». ويرى البوعينين أن التحويلات المالية و«حوكمة» أنظمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من المحاور التي يفترض أن تنجز وتفعل بشكل أكبر لحماية القطاعات المالية وردع التنظيمات الإرهابية وحماية المجتمع الدولي من الكوارث الأمنية التي تقود لكوارث مالية واقتصادية. وزاد: «تعتبر المملكة من الدول المشكلة لمجموعة ال20 والمشارِكة بفاعلية في اجتماعاتها، إذ تمتلك المملكة قدرة التأثير في الاقتصادات العالمية والصناعية على وجه الخصوص، بحيث تعتبر البنك المركزي للنفط العالمي، وهي القادرة على ضبط تدفقاتها وموازنة أسواقه بما يسهم في ضبط النمو العالمي والتأثير الإيجابي فيه». واستطرد بالقول: «كما تمتلك المملكة قدرات فائقة في ما يتعلق بالنظام المالي، إذ يعتبر نظامها المالي من أكثر الأنظمة انضباطية وتطبيقاً للتشريعات الضامنة لاستقراره». وأكّد أن للمملكة دوراً مهماً في عمليات مكافحة غسل وتمويل الإرهاب، ولديها من الخبرات الجيدة ما يمكن مشاركتها مع الدول الأعضاء، وقال: «من المهم الإشارة إلى مكانة المملكة الإسلامية والعربية، وهذه المكانة تعطي المملكة عمقاً أكبر في التنظيمات الدولية، كما أنها تضع عليها مسؤوليات كبرى لتمثيل الدول الإسلامية والعربية وتحقيق مصالحها الاقتصادية، وأثبتت المملكة دورها الرائد في ذلك الجانب». مشيراً إلى أن مجموعة ال20 تمثّل منتدى يضم صنّاع السياسة في الدول الصناعية والناشئة، الذين يهدفون من خلال اجتماعاتهم مناقشة أبرز قضايا الاقتصاد العالمي والتحديات ووضع الحلول الناجعة لها، إضافة إلى إصدار بعض التشريعات الاقتصادية التي يرجى من خلالها معالجة مشكلات الاقتصاد العالمي وحفز نموه وحمايته من الأزمات المفاجئة. وزاد البوعينين: «تلعب دول ال20 دوراً بارزاً في توجيه الاقتصاد العالمي وفق سياسات يتفق عليها في اجتماعاتهم، وبخاصة في الجوانب المالية التي تكرس فيها الاجتماعات الدورية على مستوى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، بهدف حماية النظام المالي العالمي من الأزمات، وإضافة إلى الزعماء ووزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية هناك رؤساء اللجان المالية الدولية ولجان النقد الدولي ولجان التنمية لصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الذين يشاركون في اجتماعات مجموعة ال20؛ وإن كان بصفة غير رسمية، وذلك بهدف تحقيق التعاون بين المؤسسات والمنتديات الاقتصادية». وأشار إلى أن لمجموعة ال20 قدرة فائقة على التأثير الإيجابي في الاقتصاد العالمي، عطفاً على أهمية الدول المكونة لها؛ إذ تشمل أكبر الاقتصادات العالمية وبعض الدول الناشئة والنامية المؤثرة عالمياً. لذا، تعتبر السياسات والقرارات المتخذة من أدوات التحكم في الاقتصادي العالمي وبما يدعم تحقيق النمو من جهة، ويضمن سلامة النظام المالي العالمي من جهة أخرى. ولعل كثير من برامج معالجة الاقتصاد العالمي التي صدرت بعد انهيار 2008 كان مصدرها مجموعة ال20 التي نجحت في تصحيح مسار الاقتصاد وحفزه وحمايته من التداعيات الخطرة التي لم تكن لتزول لولا الجهود المبذولة لدوله». وعن الملفات التي سيتم طرحها خلال قمة ال20 إضافة إلى ملف «تمويل الإرهاب»، قال البوعينين: «هناك ملفات مختلفة سيتم مناقشتها في القمة، إلا أن ملف الحمائية ربما يكون الملف الأكثر إثارة، وبخاصة بعد تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا مركل ضد الإجراءات الحمائية التي قد يتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهي إجراءات لا تتوافق مع السياسات المتخذة من قبل، المشددة على حرية التجارة الدولية». واستطرد بالقول: «أعتقد أن ملف الحمائية ربما شكّل مواجهة بين المستشارة الألمانية أنجيلا مركل والرئيس الأميركي ترامب الذي يدعم تطبيقها في الولاياتالمتحدة لحماية المنتجات الأميركية». وأردف قائلاً: «إن الجانب المالي سيكون حاضراً وبقوة، على رغم الإصلاحات المستمرة للنظام المالي العالمي وبوادر الانتعاش التي بدأت في أوروبا وأميركا، كما أن أزمة الديون السيادية العالمية ومنها الديون الأوروبية والديون السيادية الأميركية التي تنذر بمخاطر مستقبلية لأسباب مرتبطة بحجمها الذي تجاوزت نسبته 104 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ما زالت تشكل خطراً على النظام العالمي»، مشيراً إلى أن ارتفاع الديون العالمية بشكل كبير وتجاوزها 217 تريليون دولار يشكل خطراً كبيراً على الاستقرار المالي العالمي وينبئ بإمكان حدوث أزمة مالية عالمية ما لم تتم معالجة المشكلات المالية العالمية. واستطرد البوعينين بالقول: «إن من المواضيع محل البحث تقوية الهيكل المالي العالمي ومعالجة التقلبات في تدفقات رأس المال، وكذلك تشريعات القطاع المالي ذات العلاقة بمجلس الاستقرار المالي، والمالية الرقمية والأمن الإلكتروني، إضافة إلى ملف «استراتيجية النمو» للدول سيكون من أهم الملفات المنظورة، كما أن دعم النمو العالمي وفق استراتيجية محددة يتفق عليها الأعضاء من الإجراءات المتوقع اتخاذها في القمة». بدوره، أوضح رئيس مركز جواثا الاستشاري الدكتور إحسان بوحليقة في حديثة ل«الحياة» أن السعودية اكتسبت عضويتها بسبب ثقلها الاقتصادي على مستوى العالم، وقال: «إن السعودية الدولة العربية الوحيدة في قمة ال20 ولم تكتسب عضويتها في المجموعة كممثل لجامعة الدول العربية، بل اكتسبتها لدورها الفاعل عالمياً، ولا سيما في الجانب الاقتصادي، إضافة إلى أن السعودية استوعبت أهمية المتغيرات الاقتصادية التي تحيط بالعالم واستطاعت التعامل معها من خلال رؤية المملكة 2030 التي تسعي لتعزيز الاقتصاد بعيداً عن النفط». ويرى رئيس مركز جواثا الاستشاري أن رؤية المملكة تسعي لتخلص من ربط اقتصادها مباشرة بالنفط من خلال التنوع في الموارد الاقتصادية وإدخال قطاعات جديدة تسهم في الناتج المحلي، ما يسهم في تعدد مصادر الدخل للسعودية. ولفت بوحليقة إلى أن رؤية السعودية 2030 وضعت 12 برنامجاً، منها 10 برامج لتعزيز الاقتصاد السعودي وتنوع مصادرة، وقال أيضاً: «إن السعودية تسعي من خلال رؤيتها وبرنامجها للتحول الوطني، ولا سيما برنامج تحقيق التوازن المالي، الذي تسعى من خلاله للوصول إلى صفر في المئة عجزاً في الموازنة العامة للدولة بحلول 2020، بعيداً عن أسعار النفط وتقلباته والتي تعد العامل الرئيس في الاقتصاد السعودي حالياً»، مشيراً إلى أن السعودية تذهب لحضور قمة ال20 وهي مستعدة في كثير من ملفات الاقتصادية، ولاسيما الملفات السياسات المالية والنقدية. من جانبه، بين رئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبدالعزيز بن صقر أن السعودية أسهمت بالكثير من الرؤى والمقترحات والتوصيات في قرارات قمم دول مجموعة ال20 منذ انضمامها إلى هذه المجموعة التي أوصت بتشكيلها الدول الصناعية الثمان في 1999، وقال: «من بين هذه الإسهامات ما جاء في مقترحات المملكة أمام القمم السابقة، ل«المجموعة» في ما يتعلق بمواجهة الأزمة المالية التي ضربت العديد من دول العالم عامي 2008-2009، وبخاصة في ما يتعلق بالسياسات المالية والنقدية، إذ طالبت المملكة بزيادة رؤوس أموال مؤسسات التمويل الحكومية لتوفير تمويل إضافي للقطاع الخاص، بغرض تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة للحد من تأثير الأزمة المالية العالمية، وأشاد صندوق النقد الدولي بهذا التوجه السعودي، بل اعتبر أن المملكة من أفضل الدول أداءً بين اقتصادات دول المجموعة بعد الصين والهند خلال الفترة ما بين 2008-2010». واستطرد رئيس مركز الخليج للأبحاث بالقول: «كما أن المملكة صادقت على إصلاحات صندوق النقد الدولي في 2010، ووافقت على زيادة حصتها، وبذلك تكون استكملت الخطوات المتعلقة بإصلاحات 2010 في ما يتعلق بالحصص والحوكمة بالصندوق كافة». وزاد: «كما أسهمت المملكة بخطوات متقدمة في مجال مكافحة الفساد في إطار مجموعة ال20، وجاء ذلك في نموذج طلب المساعدة القانونية في القضايا الجنائية، كما صادقت أيضاً على اتفاق الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، وانضمت إلى مواجهة المخاطر الدولية من خلال إسهامها في دعم موارد صندوق النقد الدولي لمواجهة المخاطر الاقتصادية والمالية العالمية، انطلاقاً من كون المملكة مساهماً رئيساً بالمؤسسات المالية العالمية، وهو ما يؤكد دورها الريادي في مجموعة ال20 والاقتصاد العالمي». واستطرد بالقول: «بذلك استطاعت المملكة الإسهام في تخفيف الأزمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي في 2008، وذلك من خلال ما تمتلكه استثماراتها في الخارج، إذ إن لديها ثاني أكبر صندوق استثمارات سيادي عالمي، باعتبار أن مؤسسة النقد العربي السعودي لديها أصولاً موزعة على مختلف دول العالم». وأكد بوحليقة على أهمية دور دول مجموعة ال20 في دعم الاقتصاد العالمي خلال السنوات المقبلة، وبخاصة أن «المجموعة» تملك 90 في المئة من إجمالي الناتج القومي لدول العالم، كما تملك 80 في المئة من حجم التجارة العالمية، التي تمثل ثلثي سكان العالم.