نجح بنيامين نتانياهو في ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، خلال زيارة رئيس الحكومة الهندية، ناريندرا مودي إسرائيل. ليس فقط لأنها زيارة تاريخية لأول رئيس حكومة هندية منذ إقامة إسرائيل عام 48، بل إن توقيتها جاء في ذروة الأزمة التي يعيشها نتانياهو، داخلياً ودولياً، خصوصاً مع الانتقادات الموجهة لسياسته والمناقشات الدولية التي تجري في الاممالمتحدة وال «يونيسكو» حول ممارسات حكومته الاستيطانية. الثمن الأكبر الذي حصل عليه نتانياهو هو عدم زيارة مودي السلطة الفلسطينية في رام الله، وهو أمر حاول استغلاله إلى أقصى حد، كما استغله اليمين الإسرائيلي والشخصيات الرافضة أي محادثات مع الفلسطينيين. عاش نتانياهو نشوة الفرحة في هذه الزيارة التي اعتبرها إنجازاً كبيراً له، ليس فقط على صعيد الصفقات العسكرية والتجارية والزراعية التي تعود بالأرباح المالية الطائلة لإسرائيل، إنما بتقديم إسرائيل كأنها متساوية بالقدرات والإمكانيات والمكانة الدولية مع الهند. وقد اتخذ نتانياهو خطوات عدة لإظهار تلك العلاقات الوثيقة فكان مودي الرئيس الثاني بعد دونالد ترامب، الذي رافقه طوال أيام زيارته. مودي هو الآخر منح لهذه الزيارة أهمية، فقبل وصوله كتب على حسابه في تويتر «غداً سأقوم بزيارة تاريخية إلى إسرائيل، الشريكة المهمة جداً للهند. سأجري محادثات شاملة مع صديقي رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، المعني هو أيضا بعلاقات مزدهرة بين إسرائيل والهند، بدءاً من تحسين العلاقات الاقتصادية وحتى تعزيز التفاعل بين الشعبين». وكتب على حسابه في «فايسبوك» أن اللقاء «سيشكل فرصة لمناقشة التحديات المشتركة، كالإرهاب». زيارة مودي إسرائيل ليست الأولى على صعيد شخصي إنما كرئيس حكومة. فقد وصلها عام 2006 كرئيس لحكومة ولاية كجرات، في إطار معرض زراعي. وبعد هذه السنوات يعتبر مودي إسرائيل من أهم الدول التي نجحت «بالبقاء على رغم أن الفرص كلها كانت ضدها. لقد تم تطوير الكثير من الابتكارات التكنولوجية في الجامعات والمختبرات الاسرائيلية، وساعدت الإنسانية. بدءاً من ذاكرة USB وانتهاء بطماطم شيري»!، هكذا راح يعبر مودي عن دعمه إسرائيل وتقديره لها، وزاد في ذلك لدى تعبيره عن دهشته بقدرتها في التحول من دولة ينقصها الماء إلى دولة يوجد فيها فائض من الماء». ويطمح مودي إلى مساعي جعل الاحتفال بمرور خمسة وعشرين عاماً على العلاقة مع إسرائيل فرصة لنقل هذه العلاقة إلى مرحلة متقدمة. أما لقاؤه مع نتانياهو فتم قبل ثلاث سنوات في مدينة دافوس وفي الأممالمتحدة ويعتبر نتانياهو أن هذا اللقاء كان بداية لعلاقة مميزة بين الحكومتين ليشكل بداية «عهد صداقة وتعاون في مكافحة الإرهاب وفي بناء اقتصاد مزدهر في مجالات الأمن والزراعة والمياه والطاقة وعلم الفضاء وصناعة الصواريخ». لا حدود بيننا حتى السماء في إسرائيل تعيش جالية يهودية هندية، غير معروفة ولم يذكر عنها شيء كالجاليات الأخرى، على رغم أن عددها يتجاوز السبعين ألف هندي وصلوا مع قيام إسرائيل. وهم كبقية الجاليات، القادمة من الدول الشرقية تم التعامل معهم بعنصرية واحيانا باحتقار. لديهم 50 كنيسا ويتجمعون سنوياً في مهرجان خاص بهم معروف باسم «مهرجان الحنة» ولديهم صحيفة تصدر باللغة الهندية. علاقتهم بالهند لم تنقطع وعلى مدار السبعين عاماً بقوا على اتصال بأقاربهم وأبناء طائفتهم في الهند، حتى أنهم ساهموا في ترميم مؤسساتهم وصيانة المقابر، أما علاقة دولتهم بإسرائيل فقد بدأت منذ خمسة وعشرين عاماً، وعلى رغم أنها فترة زمنية قصيرة، إلا أن هذه العلاقة شهدت انتعاشاً اقتصادياً. وارتفعت قيمة التبادل التجاري من 200 مليون دولار، خلال السنوات الأولى لهذه العلاقة، إلى نحو خمسة بلايين دولار السنة الماضية، خمس هذه المبادلات صفقات عسكرية، وهو أمر أدرج الهند في مكانة الدولة التاسعة في أهميتها للصادرات الإسرائيلية. وليست مصادفة أن نتانياهو وصف العلاقة المستقبلية مع الهند بأنها واسعة والسماء حدودها، مشيراً إلى أن الصفقات في مجال الفضاء ستكون من الأبرز التي يعدها الطرفان. وتشكل صادرات الصناعات الأمنية الإسرائيلية الأكبر. وأكثرها تتم عبر شركتي الصناعات الجوية «رفائيل» و «إلبيت»، وتم التوقيع قبل ثلاثة أشهر مع وزارة الدفاع الهندية، اتفاقية شراء صواريخ ومنظومات إضافية بقيمة حوالي بليوني دولار، وهو رقم قياسي لم يسبق وان وقعته شركات الصناعات العسكرية الاسرائيلية مع أي طرف دولي آخر. وبموجب الصفقة تزود الصناعات العسكرية الإسرائيلية الهند بمنظومة دفاعية متقدمة من صواريخ أرض- جو متوسطة المدى، وقاذفات، وتكنولوجيا اتصالات. وفي السنة الماضية تم التوقيع على عقود بقيمة 6.5 بليون دولار، وارتفعت نسبة الأرباح 14 في المئة عما كان الحال عليه عام 2015، ويقدر أن قيمة الصفقات السنوية بين البلدين تصل إلى أكثر من بليون دولار. عمليات التصدير الأمني عام 2016 تركزت في مجالات الطائرات والمنظومات الجوية (20 في المئة)، وعمليات الرقابة والتجهيزات البصرية العسكرية (18 في المئة)، ومنظومات الدفاع الجوي (15 في المئة)، وسلاح البر، والذخيرة (13 في المئة)، والرادارات والحرب الإلكترونية (12 في المئة)، ومنظومات المعلومات والسايبر (8 في المئة)، والطائرات من دون طيار (7 في المئة) ، ومنظومات التنصت والاتصال (4 في المئة)، ومنظومات بحرية (1 في المئة)، ومتفرقات (2 في المئة). الانتصار الديبلوماسي قبل أيام من زيارة مودي انشغل الإسرائيليون والمقربون والمهللون لسياسة نتانياهو في تحليل عدم زيارة الرئيس الهندي السلطة الفلسطينية. وسعى البعض إلى سحب تصريحات منه، قبل وصوله، بما يشكل تحريضاً على السلطة ودعماً لإسرائيل، خصوصاً إذا ما أعلن موافقته على نقل السفارة الهندية إلى القدس أو الإعلان عن دوافع متعلقة بالعلاقة بين السلطة الفلسطينية والهند، منعت وصوله إلى رام الله. وفي مقابلة خاصة أجرتها صحيفة «يسرائيل هيوم» رد مودي على سؤال حول نقل السفارة الهندية إلى القدس بتأكيد دعمه لحل الدولتين وقال: «مفتاح الحل لهذه المسألة في أيدي الطرفين. الهند تدعم كل الجهود من أجل التوصل إلى حل متفق عليه لكل القضايا المطروحة على الجدول بما في ذلك موضوع القدس. بالنسبة إلى السفارة الهندية: سنتخذ قراراً بشأن نقلها فقط بعد توصل الطرفين إلى اتفاق بشأن القدس». وعندما جاء الرد على غير ما خطط له انتقل الحوار إلى سياسة الهند في الأممالمتحدة فسئل مودي إذا ما كانت الزيارة تدل على توجه مؤيد أكثر لإسرائيل في الأممالمتحدة؟ وجاء الرد داعماً بعض الشيء لإسرائيل، ولكن ليس بما يدل على نجاح الحملة الدولية التي تديرها إسرائيل حول القرارات التي تتخذها الأممالمتحدة في قضايا تخص سياستها تجاه القدس والضفة، وقال مودي إن مواقف الهند في الأممالمتحدة يتم تحديدها بناء على الموضوع المطروح على الجدول، وقال: «نحدد موقفنا لكل موضوع على انفراد، ووفق قيمنا ومبادئنا الجوهرية. نحن ننوي مواصلة الحوار مع كل الشركاء، خصوصاً إسرائيل، في محاولة للعثور على حلول مثالية في الأممالمتحدة وفي المنتديات المشتركة الأخرى. الهند لا تدعم التمييز ضد دولة معينة في الأممالمتحدة». وعلى رغم هذه المواقف أصر الإسرائيليون على جعل عدم زيارته رام الله نقطة في مصلحة إسرائيل بل فتحت شهية البعض على المطالبة بعدم التعامل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كرئيس وبالتساوي مع بنيامين نتانياهو. واستغل المحلل دانئيل بيبس عدم زيارة رام الله ليفتح أبواب التحريض على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. ويرى بيبس أن الصورة التاريخية لاتفاقية أوسلو هي التي جعلت نتانياهو يتعامل بالتساوي مع عباس وبرأيه لو تمت مراسم توقيع الاتفاقية على مستوى منخفض، لما كانت المساواة «المزيفة»، وفق وصفه، قد خرجت إلى العالم، ولكان عدم التوازن الحقيقي في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين واضح للجميع. وبرأيه فإن الوقت غير متأخر اليوم لأن يعلن نتانياهو رفضه لقاء أبو مازن، كرئيس للسلطة الفلسطينية، ويقول: «يمكن نتانياهو أن يشرح في شكل واضح أنه يلتقي فقط مع المساوين له في الديبلوماسية الدولية، وأنه يترك معالجة شؤون السلطة الفلسطينية لموظفي وزارة الخارجية»، وأضاف: «تصوروا الفوائد الكامنة في خطوة كهذه: مكانة إسرائيل ستتعزز، وفي المقابل ستنتشر في العالم الرائحة النتنة للسلطة الفلسطينية. هكذا، سيفقد رؤساء أميركا الاهتمام ب «الصفقة النهائية»، وسيجد كل أنواع الوسطاء من اصحاب النيات الحسنة، ظاهراً، صعوبة في إحياء المفاوضات التي تراوح مكانها منذ ربع قرن تقريباً. وبعنوان صارخ خرجت صحيفة «يسرائيل هيوم»، بعد الكشف عن عدم زيارة رام الله بعنوان: «الادعاءات بشان العزلة السياسية مثيرة للسخرية». وكتبت: «مع كل الأهمية التي تمنحها القيادة الإسرائيلية لألمانيا بقيادة ميركل، ولفرنسا التي أصبحت مثل ميكرونيزيا، فإن الهند هي سوق تضم بليوناً وربع بليون نسمة، مع وتيرة نمو اقتصادية عالية، ومع احتياجات استراتيجية عسكرية وتكنولوجية ضخمة. الهنود يعتبرون إسرائيل الرد على عجزهم في تطوير منصات عسكرية في كل الأذرع والمجالات. لديهم شواطئ 8000 كيلومتر، يجب إرسال دوريات لحراستها، ولديهم الكثير من الجنود الذين يجب أن يتزودوا بالسلاح، والكثير من الأفواه التي يجب أطعامها. وهكذا، فإنه مع الصداقة الهندية، يصبح الحديث عن العزل السياسي، من جانب صديقات يأفل نجمها في أوروبا، مثيراً للسخرية. إسرائيل، بقيادة نتانياهو، نقلت مركز ثقل علاقاتها الدولية في الوقت المناسب. وتسند الصحيفة موقفها مما اعتبرته سخرية العزلة الديبلوماسية بما ادعاه البروفيسور والتر راسل ميد، بأن اسرائيل اليوم، تتربع بين القوى الصاعدة على الحلبة الدولية، أيضاً لأنها نجحت بعمل ذلك بواسطة تنمية العلاقات مع الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وبخاصة مع صديقتها الهند». زيارة مودي تشكل مكسباً كبيراً أولا لنتانياهو ثم للاقتصاد الإسرائيلي، وترفع شأن الصناعات العسكرية في دول العالم وتفتح الأبواب لزيادتها، لكن جانباً واحداً لم ينجح فيه نتانياهو في قلب حسابات نظيره الهندي الضيف وهو الملف الإيراني، الذي يعتبره رئيس الحكومة الإسرائيلية واحداً من أبرز معاركه الدولية. فقد طلب نتانياهو من ضيفه معلومات حول تقدم التحقيق في العملية التي استهدفت السفارة الإسرائيلية في دلهي عام 2012، التي حملت إسرائيل المسؤولية عنها إلى الحرس الثوري الإيراني، لكن الضيف لم يمنح معلومات جديدة وفق قرار الهند التي تمتنع حتى اليوم عن تحميل المسؤولية للإيرانيين ولم تقدم أحد للمحاكمة. ويعتقد الإسرائيليون أن الهند ذوبت التحقيق على خلفية علاقاتها الوثيقة مع إيران. وناقش نتانياهو ومودي خلال جلسة العمل بينهما، التعاون بين البلدين في مسألة محاربة الإرهاب. غير أن نتانياهو حرص على عدم إظهار هذا الجانب من العلاقة تجاه إيران وحرص على القول إن اسرائيل والهند ستعززان التعاون في محاربة الإرهاب. وبأنه اتفق مع ضيفه الهندي على أنه لا يمكن أن يكون هناك أي مبرر لأي نوع من الإرهاب. وأنه يجب القيام بخطوات شديدة ضد الإرهابيين والتنظيمات الإرهابية وكل من يدعمهم، يشجعهم، يمولهم أو يمنحهم الملاذ. كما اتفقا على العمل من أجل منع حصول التنظيمات «الإرهابية»، وفق وصفه، على أسلحة الدمار الشامل، واتفقا على التعاون لدفع معاهدة دولية لمحاربة الإرهاب.