شهدت الساعات الماضية إعادة خلط للأوراق السياسية في لبنان عشية الاستشارات النيابية الملزمة المفترض ان يجريها اليوم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، مع تأكيد مصادر متعددة في المعارضة ل «الحياة» ان قادتها يميلون الى تبديل خيارهم في شأن تسمية مرشحهم لرئاسة الحكومة من الرئيس عمر كرامي الذي لم تسمه المعارضة رسمياً لمصلحة الرئيس نجيب ميقاتي. في هذه الأثناء، قال الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في رسالة متلفزة وجهها مساء أمس الى اللبنانيين ان المعارضة ستطلب من مرشحها في حال تكليفه برئاسة الحكومة الجديدة «بحكومة شراكة وطنية يشارك فيها الجميع»، مشيراً الى ان «المعارضة لا تدعو الى حكومة لون واحد ولا الى الاستئثار بالسلطة أو إلغاء أي فريق سياسي» ومؤكداً ان «الاختلاف على تسمية الرئيس لا يعني ان احداً في المعارضة، يتجاوز أي تمثيل او إلغاء أي فريق أو التصرف بكيدية»، وأن الرئيس الجديد «لن يمس بمواقع وامتيازات الطائفة السنية ضمن تركيبة الدولة، وما يقال خلافاً لذلك هو افتراء وسيتم إثبات ما نقوله من خلال المجريات العملية وليس الوعود الشفهية. وعلمت «الحياة» ان ترجيح خيار ميقاتي يجذب تأييد نائبين (ميقاتي وحليفه النائب احمد كرامي) لمصلحة استبعاد الرئيس سعد الحريري الذي أكدت مصادر كتلة «المستقبل» وحلفائها انه ماضٍ في ترشحه. وجاء ترجيح خيار ميقاتي بعد ان كانت الحسابات في شأن ترشيح كرامي رجّحت حصول تعادل في أصوات النواب بينه وبين الحريري في أحسن الأحوال. وذكرت مصادر مطلعة ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري هو أحد المتحمسين لتسمية ميقاتي، وأن القيادة السورية لا تمانع تكليفه لأن قرارها هو استبعاد الحريري. وكانت زيارة المعاون السياسي لبري النائب في حركة «أمل» علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام ل «حزب الله» حسين خليل لدمشق، انتهت الى ترجيح الخيار الجديد، وهما تواصلا فور عودتهما مع ميقاتي قبل ان يلتقي الأخير بري في اجتماع هو الثاني بينهما في أقل من 24 ساعة. وأوضحت المصادر ان المعارضة تشاورت مع رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط الذي لم يمانع في تسميته، فيما نفت مصادر كتلة «المستقبل» ان يكون أحد طرح عليها الفكرة. ومساء، قال مصدر قيادي في «تيار المستقبل» و «قوى 14 آذار» ان ما يشيعه البعض من ان ميقاتي هو مرشح تسوية «لا أساس له من الصحة، وقد جرى تسميته من قبل حزب الله والمعارضة بعد ان أيقنا ان وصول كرامي الى رئاسة الحكومة غير مضمون، وبالتالي اختارا ميقاتي لاختراق الأكثرية من خلال صوته في الاستشارات». وأكد المصدر ان الحريري «مستمر في ترشحه»، وأنه «يلقى دعم كل قوى 14 آذار من دون استثناء». واعتبر المصدر ذاته، ان تسمية ميقاتي من قبل المعارضة جاءت بعد موافقته على موقف ضد المحكمة الدولية عاد به موفدا «أمل» و «حزب الله» من دمشق. وأشارت المصادر المطلعة الى ان وزير الاقتصاد محمد الصفدي الذي التقى أمس الحريري، سارع الى التحرك من جهته سعياً وراء دعم ترشحه وهو تواصل مع مسؤولين في «حزب الله» وآخرين في «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون لجس النبض في شأن دعمه كخيار آخر. وسبقت هذه التطورات كثافة في الاتصالات باتجاه معالجة الأزمة، فطُرح بقوة اقتراح يقضي بتأجيل الاستشارات النيابية المقررة اليوم بذريعة ان ذلك يساعد على تمديد الفرصة بحثاً عن مخارج. وعلمت «الحياة» ان مشاورات التأجيل تجاوزت الساحة المحلية الى جهات عربية ودولية فاعلة وأن الرئيس سليمان الذي كان تلقى اتصالاً بهذا الخصوص من رئيس وزراء قطر وزير الخارجية حمد بن جاسم آل ثاني، اشترط للموافقة على التأجيل التوصل الى مرشح تسوية لرئاسة الحكومة، موضحاً انه لن يأخذ أي قرار بالتأجيل بمفرده، علماً ان بري متحمس للتأجيل، بخلاف موقف الحريري الرافض له، خشية مواصلة الضغط على النواب، كما رفضه عندما تقرر تأجيلها الاثنين الماضي، ونقل عنه قوله ان موقفه لم يتبدل «ولا بد من إنجازها» سواء استقر رأي الأكثرية على تسميته أم اختار منافسه كرامي، وذلك قبل ان تجمع المعارضة على ترشيح ميقاتي. وفي هذا السياق، علمت «الحياة» ان قطر انطلقت بفكرة تأجيل الاستشارات استناداً الى الأجواء التي سادت المحادثات التي أجراها اميرها الشيخ حمد بن خليفة في دمشق وتابعها الشيخ حمد بن جاسم. وأكدت أن بن جاسم أوفد ليل أول من امس الشيخ جبر بن يوسف آل ثاني الى بيروت لوضع الحريري في أجواء المحادثات التي أجراها في العاصمة السورية والاتصالات التي قام بها لانتزاع موافقة الأطراف اللبنانيين على تأجيل الاستشارات النيابية، خصوصاً ان جهات عربية ودولية تواكب المسعى القطري. وتردد ان «الخليلين»، اللذين التقيا في دمشق المفاوض الإيراني على الملف النووي سعيد جليلي، بقيا على تواصل مع ميقاتي طوال نهار امس، إضافة الى تواصلهما مع قادة المعارضة الآخرين، على رغم ان ميقاتي شارك في الاجتماع الذي عُقد في طرابلس مع الصفدي والنائبين أحمد كرامي وقاسم عبدالعزيز، وصدر عن المجتمعين بيان أكدوا فيه ان «المسار الذي اتخذته الأمور في الساعات الأخيرة يهدد بحصول انقسام وطني خطير»، فيما أكدت مصادر مقربة من رئيس الجمهورية انه بقي طوال امس على تواصل مع الجميع وأنه منفتح على الدعوة لتأجيل الاستشارات في حال ارتبطت بتفاهم على التوافق على مرشح ثالث لرئاسة الحكومة، لافتة الى ان المشاورات بين الرئيس وأطراف عربية ودولية لم تتوقف. وفيما لم تستقر المواقف المتصلة بالاستشارات النيابية امس على صيغة موحدة، رأت المصادر عينها ضرورة مواكبة مسار الاتصالات المتسارعة الجارية بين لبنان والخارج باعتبار ان «لنتائجها تأثيراً مباشراً على الاستحقاق المتعلق بتسمية رئاسة الحكومة، وبالتالي لا يمكن بناء الموقف النهائي من الآن وقبل ساعات من موعد الاستشارات». واعتبرت المصادر ان «ما يعزز الالتفات الى اختيار مرشح ثالث وجود شعور بأن المعركة متساوية الى حد ما بين الحريري وكرامي وأن أحداً لا يتكهن بما ستؤول إليه الاستشارات في حال حصولها، على رغم ان المعارضة تحاول ان توحي بأن التسمية أصبحت في جيبها في مقابل رفض قوى 14 آذار الانصياع كما تسميه لحملات التهويل التي تأتي في إطار الترويج لحرب نفسية تفتقد الى الأرقام الدقيقة في احتساب كيف ستصب أصوات الكتل النيابية». وحاولت مصادر في المعارضة ان تستبق الاستشارات إذا لم تؤجل في اللحظة الأخيرة، عبر الترويج لما انتهت إليه في احتساب أصوات النواب انطلاقاً من ان لديها 58 نائباً «يضاف إليهم ستة نواب من «اللقاء الديموقراطي» الذي وعد رئيسه جنبلاط بالعمل من اجل رفع عددهم الى سبعة». وأضافت ان المعارضة تنطلق في معركتها من 64 نائباً أي نصف عدد نواب البرلمان المؤلف من 128 نائباً كما انها تؤكد ان ميقاتي أبلغها (قبل ان تتوحد المعارضة على تسميته) انه سيمتنع عن التصويت ما يحجب عن الحريري الصوت الذي يحول دون التعادل في مجموع أصواته مع الأصوات التي سينالها كرامي، وذلك على رغم ان أوساط ميقاتي ترفض التعليق على ما تنسبه إليه المعارضة، وتؤكد انه «لا يزال يدرس موقفه». كما ان جنبلاط الذي غاب عن السمع امس من دون ان ينقطع عن التواصل مع عدد من القيادات السياسية، يرفض كما قالت مصادره، الدخول في مبارزة بخصوص احتساب الأصوات وأنه على خياره الى جانب سورية والمقاومة. ويضاف إلى ذلك، ان مصادر رئيسة في المعارضة، وبعضها مقرب من الرئيس نبيه بري، اخذت تروج منذ صباح امس انها مستعدة لتسمية ميقاتي كمرشح تسوية وأنها تنتظر موقف الحريري وحلفائه، وبعضهم أخذ يتحدث عن مرشح آخر هو الصفدي، علماً ان مصادر في «المستقبل» رفضت الدخول في لعبة البحث عن بدائل. الى ذلك، دخل مجلس المفتين في اجتماعه برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني، على خط المعركة الدائرة حول تسمية رئيس الحكومة المكلف، وحذر في بيان بعد اجتماعه امس من «تجاهل الأكثرية السنية والأكثرية النيابية والأسس الدستورية والمعادلات الوطنية الميثاقية التي تتعلق بالحقوق الدستورية، ولرغبة هذه الأكثرية النيابية». كما حذّر من مغبة «الانزلاق الى مخاطر اللجوء الى حكومة مفروضة بوسائل الاستقواء والضغط والإرغام». وتوجه المجلس بنداء الى رئيس الجمهورية «المؤتمن على الدستور ووحدة الوطن والثوابت التي قام عليها لبنان»، ان «لا يسمح للثأريين دعاة الإلغاء بالمضي في مخططهم». على صعيد آخر، تسعى باريس كما قالت مصادر فرنسية ل «الحياة» الى ترتيب اجتماع لمجموعة الاتصال حول لبنان متوقعة ان يحضره الشيخ حمد بن جاسم ووزراء خارجية الولاياتالمتحدة هيلاري كلينتون والمملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل، وتركيا أحمد داود اوغلو مع احتمال حضور لبنان وسورية، «وهذا يتوقف على ما ستصل إليه الاستشارات النيابية في لبنان». وإذ توقعت هذه المصادر ان «يؤدي تأجيل الاستشارات النيابية الى تنشيط حركة الاتصالات لتسمية رئيس الحكومة المكلف»، قالت إن باريس «ناشطة في اتصالاتها بكل المعنيين بالملف اللبناني، ووجهت لهذه الغاية رسائل عدة الى دمشق»، لكنها لم تكشف عن مضمونها». وشككت مصادر عربية في إمكان نجاح المسعى الفرنسي في ترتيب لقاء مجموعة الاتصال المرتقب في 28 الجاري على رغم أن باريس تواصل التحضير له وإن كانت الأوضاع عرضة للتقلب في كل ساعة. ومساء أعلن عون في حديث لتلفزيون «بي بي سي» ان «المعارضة تأخذ البلاد الى التغيير والإصلاح»، معتبراً أن هناك استحالة في إعادة الذين كانوا في الحكم منذ العام 1992 حتى اليوم، لأن وضع لبنان انحدر يوماً بعد يوم». وقال: «نحن نضع فيتو على مخالفات تم ارتكابها في عهد الرئيس الحريري وليس على الطائفة السنية». نصرالله ورأى نصرالله في كلمته المتلفزة، ان توقيت إحالة القرار الاتهامي الدولي على قاضي الإجراءات التمهيدية جزء من التسييس المرتبط بالاستشارات النيابية المقررة اليوم، معتبراً أن مسار القرار «اخذ طابع الاستعجال... لأن المطلوب المزيد من توظيف مضمون القرار سياسياً للضغط علينا وعلى حلفائنا خدمة لخيارات سياسية محددة». وأشار الى تلويح المدعي العام للمحكمة الدولية دانيال بلمار بملاحقة وسائل الإعلام التي تسرب معلومات من التحقيق، معتبراً أن سكوت بلمار عن تسريبات عديدة سابقة لتسريبات قناة «الجديد» الى الصحافة مرتبط بأن المعلومات الأخيرة المسربة لا تخدم الفريق السياسي الآخر، «وهذا يؤكد مجدداً أن المحكمة تستهدف فريقاً سياسياً محدداً ولا تبحث لا عن حقيقة ولا عن عدالة». وتوقع مزيداً من التسييس للقرار الظني، مؤكداً أن ذلك لا يعني فريقه السياسي، في انتظار أن يعلن رسمياً عن مضمون القرار. وشكر نصرالله لجنبلاط موقفه من الاستشارات النيابية، مؤكداً انه في حال تسمية مرشح المعارضة لرئاسة الحكومة، «سنطالب بحكومة شراكة وطنية يشارك فيها الجميع». ولفت الى «إساءات بدأنا نسمعها ولا يمكن السكوت عنها تنال من دولة الرئيس عمر كرامي... وجزء من هذه الإساءات من قاتل او المحكوم عليه بأنه قاتل الرئيس رشيد كرامي»، رافضاً هذه الإساءات، وموضحاً ان كرامي لم يترشح لرئاسة الحكومة، «فيما في الجبهة الأخرى الاتصال الدولي ليل نهار لفرض مرشح محدد». وكشف نصرالله انه اتصل بكرامي وفاتحه بإمكان تسميته من جانب المعارضة، وان الأخير أجابه بأنه يفضل الرفض إلا إذا لم يكن هناك خيار آخر. ورفض فكرة الاغتيال السياسي التي تحدث عنها الرئيس الحريري، معتبراً ان تغيير رئيس الحكومة لا يشكل اغتيالاً، و «هذه لغة جديدة يتم إدخالها الى اللعبة السياسية في لبنان... في مثل هذه الظروف الحديث عن عدم تسمية الرئيس سعد الحريري هو نوع من الترهيب لفريق المعارضة... يحكى عن اغتيال سياسي لشخص ولكن ماذا عن الذي يجري بتواطؤ دولي، اغتيال سياسي لواحدة من أشرف حركات المقاومة في العالم؟». وقال نصرالله: «لسنا في صدد اغتيال أحد أو إلغاء أحد أو شطب أحد... مارسنا حقنا في إسقاط الحكومة. علينا ان نتعاون نتساعد لتخطي هذه المرحلة الحساسة، والمتربص بنا اليوم هو الإسرائيلي الذي كان يعوّل على ذلك ويبشر به منذ أشهر أو سنتين». وأشار نصرالله إلى مواقف إقليمية ودولية في الأيام الماضية أكدت احترامها للشرعية اللبنانية والمؤسسات الدستورية و»هذا جيد، لكن السؤال هو: إذا أظهرت الاستشارات النيابية غالبية جديدة في لبنان - وأنا أتحفظ على خطاب بعض الإخوان في المعارضة الذين حسموا الأمر - وسمت مرشحاً غير الرئيس الحريري فهل تحترم هذه المواقف الإقليمية والدولية إرادة الغالبية اللبنانية أم سنسمع كلاماً آخر؟ بالتأكيد سنمسع كلاماً آخر وبدأنا نسمعه وبدأوا يهولوا علينا بإسرائيل وكذلك بالكلام عن التقسيم»، ساخراً من هذا الأمر. وأضاف: «بدأنا نسمع لغة جديدة بدأت من إسرائيل وستسمعونها في عواصم عربية وغربية، وهي الكلام عن المشروع الفارسي والإيراني والشيعي وحكومة يقودها «حزب الله»، وكل هذا تزوير وتضليل وتخريف». وأضاف: «إذا وصل مرشح المعارضة أتمنى من العالم أن يحترم المؤسسات وإرادة الغالبية اللبنانية وأن يعطى فرصة لتشكيل حكومة وحينئذ سترون إن كانت حكومة وطنية تعمل لمصلحة الشعب اللبناني أو كما تدعون». وتابع: «إما إذا كان مصير لبنان متوقفاً على شخص الرئيس الحريري، وان لبنان لا نعرف الى أين سيذهب، فهذه كارثة. إذا وصل بلد الى حال يتوقف فيها مصيره ومؤسساته ونجاته على تولي شخص محدد رئاسة الحكومة من دون إفساح المجال أمام شخصية أخرى، فهذا بمثابة الكارثة الوطنية واحتقار للشعب اللبناني».