لا هو روميو ولا هي جولييت، لكن قصتهما تشبه في جوانب عدة مأساة العشيقين في رواية وليام شكسبير. بياتريس هوريه (45 سنة) أرملة شرطي فرنسي وعضو سابق في «الجبهة الوطنية الفرنسية» (اليمين المتطرف) ومختار (35 سنة) طبيب إيراني لاجئ في مخيم «أدغال كاليه» في شمال فرنسا، أسوة بآلاف اللاجئين أمثاله من مختلف الأعمار والجنسيات. وعلى رغم ميولها السياسية المتعصبة ضد الأجانب، فاجأت هوريه مواطنيها عندما مثلت أمام المحكمة الجزائية في منطقة بادو- كاليه بتهمة مساعدة مختار على التسلل إلى بريطانيا، ما يعرضها قانوناً لعقوبة السجن لمدة تصل إلى عشر سنوات. غير أن المحكمة اكتفت بإدانة هوريه من دون إصدار أي حكم ضدها، لأنها لم تتصرف بدافع الجشع أو كسب المال، إنما بدافع وقوعها في شباك مختار، ما دفعها إلى التخلي عن قناعاتها الرافضة للأجانب خصوصاً المهاجرين وطالبي اللجوء. وفي التفاصيل أن هوريه قررت أن تساعد مختار في تحقيق حلمه بالوصول إلى بريطانيا، إذ نقلته بسيارتها خارج المخيم حيث كانت تطوعت للعمل الاجتماعي ثم ساعدته في ركوب زورق يقله إلى بريطانيا حيث قررت أن تلتحق به لاحقاً، ليبدأ الاثنان حياة جديدة. مختار الذي شارك في أعمال شغب في المخيم في إطار احتجاجات على إغلاق السلطات الفرنسية نفق المانش في وجه طالبي اللجوء، انتقل للإقامة موقتاً في منزل صديقته التي ساعدته في إعداد خطة أتاحت له الانتقال مع لاجئ آخر إلى بريطانيا على متن زورق صغير، بعدما فشلت في إقناعه بالبقاء في فرنسا. ولا تزال هوريه تأمل بالالتحاق بمختار الذي نال حق اللجوء في بريطانيا ويقيم في مدينة شيفيلد الشمالية. قد لا تكون قضية هوريه خارجة عن المألوف أو سابقة، لكنها أعادت تسليط الضوء على مأساة لاجئي كاليه بعد تفكيك المخيم وتوزيعهم على أماكن إقامة في أنحاء فرنسا منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وقرار التفكيك بدا ضرورة ملحة لأسباب إنسانية وصحية وأمنية، خصوصاً بعد ارتفاع أعداد اللاجئين لتصل إلى ما يراوح بين 4 و6 آلاف مقيم في مخيمات عشوائية تفتقر إلى أدنى المعايير الإنسانية. لكن ذلك لم يحل دون عودة اللاجئين مجدداً للانتشار في أحياء كاليه، حيث مدخل النفق تحت المانش لأن هدفهم الأول والأساسي هو التسلل عبره إلى بريطانيا. وعلى رغم قرار السلطات المحلية حظر تقديم أي نوع من المساعدة للاجئين العائدين تجنباً لإعادة تكوين «الأدغال»، فإن العائدين يجوبون أنحاء المدينة ليل نهار، لأن ملاحقة الشرطة لهم تحول دون بقائهم أكثر من ساعة في مكان واحد. هذه الأوضاع التي تفوق بؤساً الإقامة سابقاً في «الأدغال»، أثارت غضب المنظمات الإنسانية التي تقدمت من المحكمة الإدارية في مدينة ليل بطلب لإنشاء مركز لاستقبال هؤلاء اللاجئين بصورة طارئة. وردت المحكمة هذا الطلب الذي يخالف قرار وزارة الداخلية التي تعتبر أن فتح مثل هذا المركز سيجذب إلى المنطقة أعداداً متزايدة من اللاجئين. لكنها في المقابل، وبدافع تجنيب اللاجئين معاملة غير إنسانية، طلبت من السلطات البلدية تأمين مقر يزودهم مياهاً للشرب والاستحمام وغسل ملابسهم، وهو ما رحبت به المنظمات باعتباره خطوة إيجابية في تخفيف حدة المأساة.