كشفت العملية المباغتة التي نفذها الفوج المجوقل في الجيش اللبناني في ساعات الصباح الأولى أمس، في مخيمين للاجئين السوريين في بلدة عرسال الحدودية عن حجم الاختراق الحاصل للمدنيين السوريين من قبل مسلحين إرهابيين، وهي جنبت لبنان في الوقت نفسه اعتداءات إرهابية كان يجري الإعداد لها في الخفاء. واذا كانت الأجهزة الأمنية تقر بمعرفتها أن أحد المخيمين اللذين داهمتهما يحتمي فيه مسلحون من تنظيم «داعش» (مخيم القارية) والمخيم الثاني (النوَر) يحتمي فيه مسلحون من «جبهة النصرة»، فإن ما فاجأ القوة المداهمة إصرار مسلحين مطلوبين على تفجير انفسهم ولو كلف الأمر قتل عائلاتهم. وعلمت «الحياة» من مصادر أمنية مواكبة لعملية المداهمة التي حصلت أن مفاوضات حصلت مع انتحاريين واستمرت لدقائق بأن يترك الانتحاري العائلات الموجودة حوله تغادر المكان إذا أصر على تفجير نفسه فنجحت مع بعضهم وفشلت مع آخرين. وأدت التفجيرات الانتحارية الى مقتل خمسة لاجئين واصابة 4 لاجئين سوريين بجروح ونقلوا الى مستشفى الرحمة. وكانت قوة من الفوج المجوقل داهمت في الخامسة والنصف صباحاً مخيم النوَر (نسبة الى قاطنيه وهم من النوَر الرحل) ويقع شرق عرسال بناء على معلومات أمنية توافرت عن تحضير أحزمة ناسفة داخل خيم معينة لتفجيرها في مواقع لم يكشف عنها، وأن الذين يعدون هذه الأحزمة يتخذون من المدنيين غطاء لعملهم. وقالت المصادر إن القوة لم تتوقع أن يقدم أحد الموجودين في الخيمة على تفجير نفسه بحزام ناسف كان يزنر نفسه به ما أدى الى مقتل طفلة هي من أقاربه. وتحول جسد الانتحاري أشلاء وأصيب 3 عسكريين بجروح خطرة. وقالت المصادر إن التفجيرات الانتحارية حصلت تدريجاً، 3 منها في مخيم النوَر وتفجير واحد في مخيم قارية ما أدى الى إصابة 4 عسكريين آخرين خلال المداهمة نتيجة رمي قنبلة يدوية باتجاههم. وأشارت الى أن انتحاريين اثنين فاوضتهما القوة المداهمة لترك عائلتيهما تخرجان من الخيمة إذا أصرا على تفجير نفسيهما، لافتة الى أن أحد الانتحاريين كان يحمل الحزام الناسف بيده لحظة تفجيره. وتوزع جرحى الجيش على 4 مستشفيات، 3 منها في بيروت وواحدة في البقاع. وذكرت المصادر الأمنية أنها كانت تعلم بوجود أسلحة فردية داخل مخيمات للاجئين السوريين في عرسال، لكنها لم تكن تتوقع وجود مواد تصنع منها المواد التفجيرية (نترات أمونيوم)، لافتة الى أن المسلحين الانتحاريين بدا أنهم فوجئوا بالمداهمات وأصابهم الإرتباك نظراً الى أن المخيم كان مطوقاً من الجيش فأصروا على تفجير أنفسهم. وتبين خلال المداهمة وجود عبوات ناسفة معدة للتفجير فتم تفجيرها في أماكنها من قبل خبير عسكري إضافة الى قيام سلاح الهندسة في الجيش بتفجير عبوات أخرى مزروعة على شكل شبكة. واستمرت العملية الأمنية حتى السابعة صباحاً وبلغ عدد الموقوفين لدى قوة الجبش 337 موقوفاً بينهم مسنون وفتية وأشارت المصادر الأمنية الى أن بينهم 30 مطلوباً بتهم ارهابية والتعدي على الجيش. ويتوقع اخلاء سراح من لا علاقة له بأي أمر أمني. ومن خلال الكشف على جثث الانتحاريين التي نقلها الجيش للتعرف الى اصحابها، تمكن من معرفة هوية أثنين: عبد الله الزراعي وهو مطلوب للأجهزة الأمنية وملقب باسم «أبو عبيدة الشامي» والثاني هو السوري خلدون حلواني. وأشارت المصادر الى أن مداهمة أمس، كانت نتيجة تقاطع معلومات على خلفية توقيفات سابقة، عن عمليات تفجير ستحصل قريباً. وحرص «اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية» على تأكيد أن الاتحاد كان يتجنب «مخيم النوَر في عمله الإغاثي تماماً لعلمنا بوجود عناصر مشبوهة فيه». وطالب الاتحاد في بيان «الأجهزة الأمنية بترك من اعتقل ممن ليس عليه أي تهمة موثقة لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى وأن تراعى قواعد المعاملة الانسانية في التحقيق معهم». قيادة الجيش وكانت قيادة الجيش – مديرية التوجيه أوضحت ما حصل على الشكل الآتي: «فجر اليوم (أمس) وأثناء قيام قوّة من الجيش بتفتيش مخيم النور العائد للنازحين السوريين في بلدة عرسال، أقدم انتحاري على تفجير نفسه بواسطة حزام ناسف أمام إحدى الدوريات المداهمة ما أدّى إلى مقتله وإصابة ثلاثة عسكريين بجروح غير خطرة. وفي وقت لاحق أقدم ثلاثة انتحاريين آخرين على تفجير أنفسهم من دون وقوع إصابات في صفوف العسكريين، كما فجّر الإرهابيون عبوة ناسفة، فيما ضبطت قوى الجيش أربع عبوات ناسفة معدّة للتفجير، عمل الخبير العسكري على تفجيرها فوراً في أمكنتها». وأضافت: «وخلال قيام قوّة أخرى من الجيش بعملية تفتيش في مخيم القارية التابع للنازحين السوريين في المنطقة نفسها، أقدم أحد الإرهابيين على تفجير نفسه بواسطة حزام ناسف من دون وقوع إصابات في صفوف العسكريين، كما أقدم إرهابي آخر على رمي قنبلة يدوية باتجاه إحدى الدوريات ما أدّى إلى إصابة أربعة عسكريين بجروح طفيفة». وأشار في بيان لاحق الى «أن أحد الانتحاريين أقدم على تفجير نفسه وسط أفراد عائلة نازحة ما أدى الى وفاة فتاة تنتمي الى هذه العائلة». وأشار مصدر أمني الى «الحياة» أن والد الطفلة أقام لها عزاء وجرى دفنها. ردود منوة بإنجاز الجيش وأثارت عملية الجيش ردود فعل إيجابية على المستوى السياسي، فأثنى وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني «على الجهود الجبارة التي يقوم بها الجيش ودوره الوطني في الحفاظ على الأمن»، معتبراً أن ما قام به في منطقة عرسال «جنب البلاد عملاً تخريبياً وإجرامياً كان سيطاول الأبرياء من المواطنين العزل». وثمن «الدور الطليعي الذي يؤديه ضباط وأفراد المؤسسة العسكرية في الدفاع عن الوطن وحمايته من الأخطار المحدقة بوطننا»، مؤكداً أن «الالتفاف الوطني والشعبي حول الجيش الذي هو ضمانة لبنان». وهنأ رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان الجيش على «العملية النوعية التي نفذها في عرسال في إنجاز استباقي أثبت قدرة الجيش العالية على ردع العدوان التكفيري بما يكشف حال التأهب والجاهزية التي يتمتع بها جيشنا الوطني وسهره على حفظ الأمن وتجنيب الوطن جرائم ومجازر العصابات التكفيرية لو حصلت لا سمح الله لأدخلتنا في كوارث لا تحمد عقباها». وهنأ «حزب الله» الجيش «قيادة وضباطاً وجنوداً، على العملية الناجحة التي نفذها أبطاله في منطقة جرود عرسال، وأسفرت عن إلقاء القبض على عدد كبير من الإرهابيين المتسترين باللاجئين السوريين في تلك المنطقة»، معلناً «تضامنه مع الجنود الجرحى». ورأى أنها تأتي استكمالاً للجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية اللبنانية للتعامل مع التهديد الإرهابي والقضاء على المجموعات الإرهابية المتغلغلة في العديد من الأماكن، كما تتكامل مع عمليات المقاومين على الحدود الشرقية لمنع الإرهابيين من التغلغل في الأراضي اللبنانية وطردهم منها». ودعا إلى «توحيد الجهود وتنسيقها أكثر لسدّ كل الثغرات التي يمكن أن يتسرب منها الإرهابيون، ولحماية لبنان وأهله من الأخطار الكبيرة التي تستهدفه».