كُشف أمس أن البطريركية الأرثوذكسية في القدس باعت إلى جهات إسرائيلية صيف العام الماضي 500 دونم من الأراضي والعقارات التابعة للكنيسة في المدينة، في صفقة وُصفت إسرائيلياً بأنها «دراماتيكية وذات أبعاد تاريخية وعقارية بعيدة المدى». وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في ملحقها الاقتصادي أمس، أن الكنيسة الأرثوذكسية باعت مجموعة من المستثمرين «ليست معروفةً هويتُهم، من خلال محام يهودي يُدعى نوعام بن دافيد»، 500 دونم من أراضيها في حييْ الطالبية ورحابيا. وأشارت إلى أن هذه الصفقة «النادرة» تمت سراً في آب (أغسطس) الماضي. ولم تُعرف بعدُ قيمة الصفقة، وقد تؤشر إلى «تغيير إيجابي مهم» في سياسة البطريركية، التي رفضت حتى الآن إبرام صفقات بيع لإسرائيل واكتفت بتأجيرها غالبية أراضيها في القدس وغيرها لنصف قرن أو قرن. وبيَّن التقرير الصحافي أن الأرض المذكورة كانت «دائرة أراضي إسرائيل» استأجرتها بعد تأسيس الدولة العبرية لمدة مئة عام (حتى عام 2050)، وأقامت فيها ثلاثة أحياء سكنية ضخمة تضم آلاف الوحدات السكنية. وأقرت البطريركية في تعقيبها بأنها قررت بيع الأرض بعدما ماطلت «دائرة أراضي إسرائيل» في التفاوض على تمديد العقد. ووفق المحامي بن دافيد، فإن جزءاً من هذه الأرض ما زال مفتوحاً، وإن المستثمرين يدرسون إمكان البناء عليه. ومن غير المتوقع أن تمر هذه الصفقة- الفضيحة من دون رد فعل بين الفلسطينيين وأبناء الطائفة الأرثوذكسية العرب الذين طالما احتجوا على سلوك البطريركية وتحكّمها في أراض وقفية ليست لها، لكن البطاركة لم يكونوا يولون آذاناً مصغية لهذه الاحتجاجات. وتملك الكنائس المسيحية المختلفة، بصفتها جهة خاصة، أكبر مساحة من الأراضي في أنحاء إسرائيل (نحو مئة ألف دونم)، 60 في المئة منها للكنيسة الأرثوذكسية، ومن هذه النسبة 5500 دونم في القدس وحدها. ويقرّ مسؤولون إسرائيليون، كما في مذكرات قادة الدولة العبرية عند إقامتها، بأن الكنيسة الأرثوذكسية التي تتحكم بها اليونان منذ أربعة قرون، ساهمت منذ ثلاثينات القرن الماضي في توفير مساحات شاسعة من القدس الغربية لليهود، سواء بالإيجار الطويل الأمد أو البيع (في عقود أبرمتها مع الحركة الصهيونية ولاحقاً مع الحكومات الإسرائيلية)، فأقيمت عليها أحياء سكنية فخمة، فضلاً عن مبنى الكنيست، ودارة الرئيس الإسرائيلي، ومقر الحاخامية الكبرى وغيرها. وكانت إسرائيل شرَعت منذ سنوات في مفاوضات مكثفة مع البطريركية الأرثوذكسية لتمديد عقود الإيجار الكبرى وعدم انتظار انتهاء مدتها في السنوات 2048- 2050، بداعي خشيتها من تبدّل الأوضاع السياسية في المستقبل، ومن تعرض البطريركية لضغوط خارجية، فلسطينية أساساً، لعدم تمديد فترات الاستئجار لعقود طويلة أخرى، فتخسر إسرائيل ممتلكات حيوية في قلب القدس. وتستغل إسرائيل حقيقة أن أي بطريرك جديد للقدس يجب أن يحظى بمصادقتها، فلا تتردد في محاولة ابتزازه لإبرام صفقات كُشف في السنوات الأخيرة عن كثير منها في أروقة المحاكم. وترفض البطريركية الأرثوذكسية الكشف عن كل ممتلكاتها في القدس والوضعية القانونية لهذه الممتلكات ونوعيتها وموقعها، كما ترفض إجراء مسح لها، خصوصاً تلك التي تمت مصادرتها أو باعتها لإسرائيل أو أجّرتها لعقود طويلة الأمد. وعلى ذمة الصحيفة الإسرائيلية، فإن جهات في البطريركية توجهت في الماضي إلى البلدية الإسرائيلية في القدس بعدما تأخرت هذه في تحرير مستند ضروري لصفقة بيع، بتحذيرها من أن التأخير «يتيح لجهات محلية وخارجية، بعضها معادٍ لإسرائيل، العمل على منع إبرام الصفقة، وأنه من أجل مصلحة سكان القدس ودولة إسرائيل، يجب الحفاظ على السرية التامة للصفقات وتفاصيلها».