قال رئيس قلم المحكمة الخاصة بلبنان هرمان فون هابل ان ما تسرب وجرى بثه في محطات تلفزة عن التحقيقات التي أُجريت في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري «ليس مهماً ولا نعرف إن كان ما تسرب جزءاً مما جرى تقديمه لقاضي الإجراءات التمهيدية أو لا». وأضاف فون هابل في حديث مع «الحياة» بالهاتف من بيروت: «سنثبت للجميع أننا غير منحازين ونعمل بمعايير دولية رفيعة جداً». ورد هابل على أسئلة «الحياة» عن تأثير التسريبات في صدقية المحكمة وفي الإجراءات التي اتخذتها لوقف هذه التسريبات رافضاً الكشف عنها لأنها داخلية وسرية. وقال هابل إن «من السابق لأوانه الحديث عن شهود زور وحتى الآن لا نعرف من هم الشهود الذين ترغب المحكمة في سماعهم وهذه أسئلة يمكننا ان نتطرق إليها عندما نرى المحكمة تعقد جلساتها وأي شهود تستدعي». وهنا نص الأسئلة والأجوبة: ما هو أثر تسريب الأشرطة عن التحقيق على صدقية المحكمة والثقة بمجريات التحقيقات. هل يمكن إستعادة الثقة بالمحكمة وعملها بعد ما جرى؟ - هذا سؤال مهم جداً. لا شك أننا في المحكمة معنيون كثيراً بهذه التسريبات، لكننا في هذا الوقت ومع تقديم القرار الظني دخلنا مرحلة جديدة من عمل المحكمة. وكما تعلمون القرار الظني صار الآن بين يدي قاضي الاجراءات التمهيدية وهو يعمل عليه مع فريق عمله وهناك كل أنواع الضمانات لئلا يكون هناك مزيد من التسريبات. وعندما نتحدث عن الصدقية نتحدث أيضاً عن عمل القضاة بشكل عام، ونحن واثقون بأنهم يعملون بطريقة محايدة ومستقلة وأنا واثق بأننا سنتمكن من ان نظهر للجميع في لبنان أننا نعمل بمعايير دولية وأننا منظمة موثوق بها. ما هي الخطوات أو الاجراءات التي اتخذتموها بحق المسربين؟ هل عرفتم من هم؟ هل هم من فريق العمل؟ هل ستتم ملاحقتهم قضائياً؟ - من الخطأ الكشف عن طريقة تعاملنا مع هذه المسألة داخلياً والامر يتعلق بالحماية والاجراءات الامنية. من البديهي ان فعالية هذه الاجراءات ترتبط بشروط سرية، لذا لا يمككنا الحديث عنها. لكنني أؤكد أنه من خلال قاعات المحكمة لا يمكن أن يحدث تسريب وأننا سنتمكن من تقديم محاكمة قوية ومقنعة تحترم المعايير والشرعية الدولية، غير منحازة ويدعمها لبنان أيضاً. ألا ترى أن من الضروري لكم التعامل مع مسألة ما يسمى هنا ب «شهود الزور» لاستعادة الثقة بالمحكمة؟ - هناك تفصيل مهم جداً يتعلق بهذا السؤال، وأرى أنه ربما كان الاهم, وهو أن من السابق جداً لأوانه الحديث عن شهود زور. فعندما نتحدث عن شهود بالمطلق نتحدث عن أشخاص يأتون إلى قاعة المحكمة ويدلون بشهاداتهم امام القاضي الذي يوجه إليهم الأسئلة ثم يحدد أهمية ما قالوه وصدقيته. أما الآن وكما تعلمون، ما زلنا في بداية الإجراءات القضائية، وبالكاد انتهى العمل من ملف القرار الظني وعلى المحكمة أن تبدأ عملها فعلياً. لم نتوصل بعد الى مرحلة نحدد فيها صدقية الإفادات التي بحوزتنا. هذه أسئلة يمكننا ان نتطرق اليها عندما نرى المحكمة تعقد جلساتها وأي شهود تستدعي. فحتى الآن لا نعلم من هم الشهود الذين ترغب المحكمة في سماع شهاداتهم وإفاداتهم. هذا إذاً سؤال سابق لأوانه طالما المحاكمات لم تبدأ بعد وهي محاكمات شفافة، وعادة مفتوحة امام الجمهور. عندها فقط يمكننا ان نحكم على نوعية الشهادات وصدقيتها. ما احتمال أن يكون هؤلاء الشهود غيروا مجرى التحقيقات وبالتالي توجه القرار الظني؟ - هذا تخوف فيه وجهة نظر، لكن المسألة أن المحقق قام بمقابلات كثيرة وتحدث مع اشخاص كثيرين في لبنان وخارج لبنان وقوّم المعلومات التي قدمت اليه وأضاف إليها أدلة أخرى مثل أدلة الطب الشرعي مثلاً وغيرها، لذا فإن خلاصة هذه المواد وما وقع عليه الاختيار بينها هي ما يقدم إلى القاضي وهي التي تحدد نوعية القضية. كل شيء يعتمد على ملف التحقيق وما اختاره المحقق، فهو قابل العديد من الاشخاص ومنهم من كان انتقائياً بإعطاء المعلومات ومنهم الآخر من لم يعط أي معلومات نهائياً، لكن بالطبع فإن خلاصة ذلك كله واختياره للمعلومات هي التي تشكل ملف القضية. إذا وجد القاضي أن المحقق لم يعط أدلة قاطعة على ما تقدم به في القرار الظني فسيطلبها قبل الجلسة الاولى من المحاكمة. لذا فإن اختيار المواد وتمييز ما يستعمل منها للملف وما لا يستعمل، عملية سارية وعلى القضاة أن يقوموا بها لتقويم براءة أو ذنب أي متهم. هل ليدك فكرة عن حجم التسريبات؟ - لا ليست لدينا مؤشرات على ذلك. لكن ما يمكنني قوله أن ما جمعه المحقق من معلومات أُرفق بملف القرار الظني وأُودع في عهدة قاضي الاجراءات التمهيدية وعليه أن يطلع عليه. ما تسرب ليس مهماً ولا نعرف ما إذا كانت هذه المواد المسربة أو غيرها هي جزء مما قدم لقاضي الإجراءات التمهيدية أو لا... لا نعرف ذلك بعد. فالمهم بالنسبة الينا ولصدقية المحكمة هو المواد النهائية التي رفعت الى القاضي وما سيستخدمه منها ليتخذ قراره النهائي. ومرة أخرى أشدد على أننا سنثبت للجميع أننا غير منحازين ونعمل بمعايير دولية رفيعة جداً. القرار الظني سري كما قال القاضي بلمار. متى سيتمكن الدفاع من الاطلاع عليه ليحضر مرافعته؟ - القاضي فرانسين لديه بين 6 و10 أسابيع لدرس كل المواد المقدمة اليه و ما سيستخدم منها كقاعدة لبناء اللائحة الإتهامية. وعادة هذه أمور حساسة ودقيقة تستغرق وقتاً لتنجز بطريقة صحيحة. وعند الانتهاء من هذه المرحلة فإن القاضي هو من يقرر إن كان سيعلن القرار الظني أو سيبقى سرياً لفترة اطول، ربما بهدف ضمان القاء القبض على متهم. وما إن يصبح لدينا دليل واضح على أن المتهم حاضر هنا، أو أنه سيحاكم غيابياً، يحدث ما نسميه «كشف المواد» الى مجلس الدفاع الذي يمثل عادة مصالح المتهم ليستطيع أن يبني دفاعه. وهو عادة بحاجة لوقت كاف للتحضير وعندما يصبح مستعداً، تعود المحكمة إلى الانعقاد. إذن، هل سيكون كشف القرار الظني محصوراً بالدفاع أم انه سيكشف عبر الإعلام أم عند بدء المحاكمة؟ - أعتقد أنه يجب أن نميّز بين القرار الظني والمواد الأخرى المرفقة. القرار نفسه يمكن أن يصبح علنياً عبر الإعلان عنه إذا لم نتمكن من انجاز التوقيفات بغير هذه الطريقة، أو بالتشاور، وهذا ما يقرره القاضي، وهناك محام معيّن للدفاع عن المتهم في حال لم يكن المتهم معنا، نعطيه المواد التي جمعناها ضد المتهم ليستعد للمحاكمة. هذه المواد قد لا تكون كلها علنية لكن يحق للمحامي الاطلاع عليها لتحضير دفاعه. هل تعني الدفاع المتعلق بمكتب السيد فرنسوا روو؟ - بحسب الوضع. لمكتب الدفاع لائحة بأسماء المحامين الذين قد يتم اختيارهم كمحامي دفاع للشخص المتهم، ويمكن للمتهم حينها، إذا كان موجوداً هنا، أن يختار بينهم. وفي حال لم يكن موجوداً ستتم المحاكمة غيابياً، ويختار حينها مكتب الدفاع من يمثل مصالح المتهم ويمكنه أيضاً الاطلاع على المواد المتعلقة بالقضية. إذا لم يظهر المتهمون ولم يعترفوا بالتهم الموجهة اليهم ستحوم الشكوك حول الإجراءات القضائية، فكيف ستتعاملون مع هذه الحال؟ - في الواقع، المحكمة الخاصة بلبنان سجلت سابقة في المحاكمات الدولية التي لا تتيح عادة المحاكمات الغيابية، لكن جرت العادة في عدة أنظمة عدالة محلية أن تشكل المحاكمة الغيابية وسيلة لإحقاق العدالة. هناك ضمانات كثيرة للمتهمين، حتى في غيابهم، والأهم أنه في حال غياب المتهم فستضمن المحكمة وجود محام يمثله ويدافع عنه. لكن في مرحلة لاحقة، إذا رفض المتهم، وفي هذه الحال يكون قد أصبح محكوماً عليه، الامتثال للمحكمة وقرار التوقيف، عندها يحق له طلب إعادة المحاكمة. هناك إذاً كل أنواع الضمانات للمتهم وهذه حقوق تندرج ضمن حقوق الانسان في حالات من هذا النوع. كونك مسؤولاً ايضاً عن اللوجستيات، هل استفاد بعض الشهود من برنامج حماية الشهود؟ - المشكلة أنه إن كان ثمة أشخاص من هذا النوع فهم بطبيعة الحال بحاجة للحماية ومن شروط هذه الحماية السرية، لذا لا يمكنني أن أؤكد أو أنفي ذلك. هناك تساؤلات حول النظام الذي سيدير جلسات المحاكمات. هل هو النظام القضائي اللبناني أم الدولي؟ - هذا ما نسميه محكمة مشتركة، وهي مزيج من القوانين اللبنانية والقوانين الدولية. في ما يتعلق بالجرائم، سنلجأ إلى القانون اللبناني، وفي ما يتعلق بالإجراءات القضائية سنتبع إجراءاتنا التي ينص عليها كتاب أصول المحاكمات الخاص بنا. وستطبق القرارات عبر قضاة لبنانيين ودوليين معاً. أنتم تعون أن الازمة السياسية في لبنان سببها المباشر هو الاختلافات حول المحكمة. ماذا لو قرر اللبنانيون الانسحاب؟ او سحب القضاة أو حتى وقف التمويل؟ - هذه المحكمة تشكلت بقرار مشترك بين لبنان والأمم المتحدة وصادق عليها مجلس الأمن. لذا فإن لبنان ملزم بتطبيق القرار الدولي وإشراك قضاته وتقديم دعمه ودفع 49 في المئة من تكاليف المحكمة. وهذه الالتزامات لا ترتبط بطبيعة الحكومة التي تأتي إلى السلطة وإنما هي التزامات لبنان وليست التزامات حكومة معينة. وبرفع القرار الظني إلى قاضي الإجراءات التمهيدية تكون المحكمة دخلت مرحلة جديدة من حياتها هي مرحلة السلطة القضائية وأنا واثق بأنها ستضمن محاكمات عادلة ونزيهة وغير منحازة.