تتقدم قوات مدعومة من الولاياتالمتحدة صوب معقل «داعش» في الرقة، غير أن السكان السوريين الذين فروا من ساحة القتال يشعرون بالقلق مما قد تأتي به الأيام بعد المعركة. وقد تطوع العشرات منهم لإعادة بناء المدينة بمجرد إلحاق الهزيمة بالمتشددين. ويتمثل هدف المجلس الذي انضموا إليه تحت مسمى «مجلس الرقة المدني» في إعادة النظام والحفاظ على السلم في مكان من الممكن أن يؤدي مزيد من العنف إلى ظهور مجموعة جديدة من المتطرفين ممن لهم طموحات عالمية. تأسس هذا المجلس في نيسان (أبريل) الماضي على أيدي حلفاء للتحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة من الأكراد والعرب بدأوا هذا الشهر مهاجمة الرقة. وقد تسارعت وتيرة الحملة على «داعش» منذ تولى الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه في كانون الثاني (يناير) وأصبحت الهزيمة تنتظر التنظيم في كل من الرقة ومدينة الموصل في العراق. غير أن «مجلس الرقة المدني» يقول إن التخطيط في الرقة لما بعد الحرب لم يستمر بالوتيرة ذاتها. ويقول متطوعون في المجلس المدني إنهم أبلغوا التحالف أن إعادة إمدادات الكهرباء والماء وإصلاح الطرق والمدارس سيتطلب 5.3 مليار ليرة سورية (حوالى عشرة ملايين دولار) سنوياً، وإنه ليس لديهم شيء حتى الآن سوى تبرعات خاصة صغيرة. اتضحت مخاطر الفشل في إعادة البناء في العراق في أعقاب الغزو عام 2003. فقد فتحت الفوضى التي انتشرت بعد الحرب الباب أمام حركة تمرد تسببت في دمار كبير وغذت صعود نجم التنظيم. وقال مسؤول أميركي إن واشنطن تقف على استعداد لتمويل المجلس المدني «بشرط أن يثبت أنه يحتضن الجميع ويمثل التجمعات السكانية التي يحكمها». و «مجلس الرقة المدني» فريق متنوع يشترك في قيادته كل من الشيخ محمود شواخ البورسان وهو من القيادات العشائرية والمهندسة المدنية الكردية ليلى مصطفى. ويقع مقر المجلس في قرية عين عيسى الواقعة على مسافة 50 كيلومتراً شمال الرقة ويتمتع بدعم «قوات سورية الديموقراطية» المؤلفة من مقاتلين من الأكراد والعرب تدعمهم واشنطن. وقالت المهندسة ليلى: «هذه خطوة تاريخية للرقة» في إشارة إلى عشرات الخبراء الفنيين والقيادات العشائرية في مقر المجلس الواقع في مبنى دائرة المياه الحكومية السابقة استعداد لحكم الرقة إلى حين إجراء انتخابات حرة. وأضافت: «لكن لا بد من إعادة بناء البنية التحتية المدمرة. لابد من فتح المدارس. كما أن محطات المياه والكهرباء تحتاج إلى تمويل». أدى نقص التمويل إلى عدم إتاحة موارد تذكر للمجلس الذي يضم أعضاؤه السبعون مدرسين وأطباء ومهندسين ومحامين لتهدئة سكان الرقة المحبطين والمشردين الذين يتطلعون إلى حلول سريعة عندما يعودون إلى المدينة. ومن المرجح أن تحدث عمليات قتل انتقامية لكل من ارتبط ب «داعش»، وهذا العنف قد يغذي حركة أخرى من جانب المتطرفين. ويشعر عبد العزيز الأمير، أحد 20 من ممثلي العشائر المحلية في المجلس، بالتفاؤل بأن بإمكانهم تعزيز تماسك النسيج الاجتماعي في المدينة التي تهدمت صفوف من بيوتها ومتاجرها في غارات طائرات التحالف وقنابل «داعش». وقال الأمير: «دائما ما يأتي الناس إلينا لتسوية نزاعاتهم. نحن نتمتع بثقة الناس. ويمكننا أن نساهم في تحقيق الاستقرار». غير أن تركيا لها رأي مخالف إذ ترى أن وجود مجلس متحالف مع ميليشيات كردية في الرقة سيوسع نفوذ أكراد سورية الذين أصبحوا مقاتلين مهرة خلال الحرب الدائرة منذ ست سنوات وأقاموا حكماً ذاتياً في شمال سورية. وشهدت تركيا حركة تمرد منذ ثلاثة عقود يقودها مقاتلو حزب العمال الكردستاني في جنوب شرقها وتقول إن الميليشيات الكردية السورية امتداد ل «حزب العمال» المحظور. وتعتبر تركيا صعود نجم أكراد سورية خطراً أمنياً عليها. وتقول جماعات أكراد سورية الرئيسية إن هدفها هو الحكم الذاتي فقط في مستقبل يتحقق فيه الحكم الديموقراطي الاتحادي في سورية. ويقول المجلس إن حوالى 80 في المئة من أعضائه من العرب وإن نواب قائديه اثنان من العرب وكردي واحد. وتشارك الدول الأوروبية تركياوالولاياتالمتحدة مخاوفهما من أن يتصرف مجلس الرقة المدني بشكل مستقل عن الميليشيات الكردية في الرقة وهي مدينة غالبية سكانها من العرب لكنها تشعر بقلق شديد مما قد يحدث بعد الحرب في ضوء عدد الهجمات التي وقعت على أراضيها. وقال دبلوماسي أوروبي: «في الوقت الراهن الولاياتالمتحدة تقول لنا: نحن نشن الآن حربنا. سنرى ما يحدث بعد ذلك». وقال المسؤول الأميركي إن واشنطن ساعدت في تأكيد الحكم المحلي في معاقل أخرى سابقة للمتشددين في سورية، وإنها تعمل مع مجلس الرقة المدني لضمان تمثيله جميع الأطراف.