إنه الرهاب المميت من الأماكن المفتوحة. فلتكن السطوة للظلام، والركض من دون خوفٍ من قسوة الخوف نفسه. يتكرر في عامه الخمسين. نعم، إنه الآن في الخمسين. يا للمفارقات الحادة العبثية الفاصلة في الآتي إن أتى. صرت لتوي صغيراً رغم عصيان الزمن. أنا الطفل المهاجر في البراري هناك، والذي لا يريد أن ينام لأن كابوساً ينتابه كل ليلة. هو الكابوس المتسلط نفسه، الفتَّاك، المراوغ المتكرر. وهذا الحائط القريب من ظهري ورأسي وضلوعي، حتى وإن تقلبت أو استويت. هذا ما لم يحدث في عقودي الخمسة. ظهري إلى حائط فولاذ. هذا الحائط المسدود، هذا السجن، الذي لاح لي أكثر وضوحاً في الظلام؛ بلا خوف. كل ما يخشاه هو أن يموت في هذه اللحظة. هو بين العدم والحياة. الفرح المنتظر والذي لا يعرف من أين سيأتي، والكآبة التي تمكنت من ملامحه في سنواته الأخيرة. في أيامه الأخيرة. زادت مساحة الشعر الأبيض، وبرزت تعرجات وجهه. هو يطل في المرآة كثيراً من دون هدف. يحصي السنوات. العقود الثلاثة منذ دخوله في النفق المظلم. غرف عمليات في قلب المدينة. لم يكن ما يشغله هو الخوف، بقدر ما كان الموت يستفزه بمطاردات صبيانية، تجعله يصرخ بلا صوت وحده في الليل. لن أموت مريضاً، ولا عدمياً. لن أموت مرتين. ولا مرة ثالثة أو رابعة. لن تميتني هوة الطريق. لن أموت لأنني لم أحيَ بعدُ كما يجب. عشتُ مرة، ومرات. متُ في العاشرة لثلاثة أيام، عندما فقدتُ ذاكرتي بكعب حذاء أبي في رأسي. أنا ابن المشوار الممتد إلى آخر الزمان. عشت ولم أعش. متُ ولم أحيَ بجبروت. بين ضعف وقوة، من بعد هجير وخسران. أنا الحي الميتُ، الميت الحي. طويل النَفَس، بسبع أرواح، ويحق لي أن أطلع على ما قدمت في هذه التجربة العبثية الجديرة بالتأمل والاستقصاء. ويحق لي أيضاً أن أقدم كشف حسابي إلى المسؤول في قسم الخلائق، وكيف كانت ثمار الرحلة. لن أموت. نعم، يحق لي ألا أموت. لا تليق بي تلك النهاية الملتبسة. لم يبق معي من الأمس إلا طفولتي الهشّة، وكثير من الرماد في عيني. نصف عين ينظر بها أبي إلى عرجي البادي في شهوري الخمسة الأخيرة قبل طفوي فوق سطح البشر. نعم، عرجي. ساقي اليسرى التي يتدلى نصفها خلفي وتحديداً وقتَ عبور الشارع والطرق المستقيمة النادرة في خطاي.