تحتاج صورة العلاقة بين الدولة الأميركيّة واقتصادها من جهة، والعلوم والتكنولوجيا والابتكار إلى رسم تفصيلي، خصوصاً أنها ربما تعارضت مع الانطباع الواسع الانتشار عن الدور الفوّار أيضاً الذي يؤدّيه النشاط الخاص في البحث العلمي والابتكار التقني. وفي التفاصيل أنه في العام 1945، وضع البروفسور فانيفار بوش، المستشار العلمي للرئيس فرانكلين روزفلت، تقريراً مرجعيّاً عن علاقة الدولة بالعلوم عنوانه «العلم: جبهة من دون حدود» Science: the Endless Frontier. وآنذاك، ارتأى بوش ضرورة أن تضخ الدولة الأميركيّة أموالاً لدعم البحث العلمي الأساسي، ما يرسي أساساً علميّاً يكون متاحاً أمام الأفراد والشركات الخاصة. وتالياً، ينهض القطاع الخاص بآليات تحويل الاكتشاف العلمي إلى تكنولوجيا ومبتكرات تقنيّة متنوّعة. وبفضل تبني الدولة الأميركيّة المفهوم الذي وضعه فانيفار بوش على نطاق واسع، ترسّخت معادلة ترتكز على ضخّ الدولة أموالاً في البحث والتطوير العلميّين ما يصنع أساساً علميّاً متقدّماً ومتاحاً للجميع مبدئيّاً، مع انفراد الأفراد والشركات الخاصة بشؤون التكنولوجيا التي تترجم التقدم والتطوّر العلميّين إلى أدوات وتقنيات وسلع مبتكرة وغيرها. تفوق تقني للسلع الرأسماليّة في حقبة «الحرب الباردة» بين المعسكرين الرأسمالي بقيادة الولاياتالمتحدة والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي السابق، أدّت معادلة فانيفار بوش بشأن العلاقة بين العلوم من جهة والتكنولوجيا من الجهة الثانية، دوراً وازناً في تقدّم النموذج الرأسمالي واقتصاداته ومبتكراته وسلعه المتطوّرة. إذ أراحت الشركات من العبء الهائل للبحوث العلميّة، كما أتاحت لها الوصول إلى تلك العلوم وصنع تقنيات وسلع مبتكرة من الجهة الثانية، مع ملاحظة أن براءات الاختراع مثّلت جسراً بين الأمرين. وفي المقلب الآخر، أصرّت الدولة الاشتراكيّة على امتلاك البحوث العلميّة التي تموّلها، بل تولّت بنفسها أيضاً شؤون تحويلها تقنيات ومبتكرات وسلع متقدّمة. وبقول آخر، عزل النشاط الخاص للأفراد والشركات عن التقدّم العلمي. كما صارت التقنية ومنتجاتها خاضعة للآلية الثقيلة المتحكمة في الدولة وجهازها البيروقراطي الضخم. النتيجة؟ تأخر تكنولوجي كان واضحاً في النموذج الاشتراكي، وحرمان السوق من التقدّم في التكنولوجيا، خصوصاً عدم قدرة سلعه على منافسة نظيراتها الرأسمالية التي تمتعت دوماً بتقدّم علمي وتقني عليها. ومع نهاية «الحرب الباردة» بهزيمة مدوّية للمعسكر الاشتراكي، حدث تبدّل في معادلة فانيفار بوش عن العلوم والتكنولوجيا. تصعب تماماً الإحاطة بمجمل ذلك التبدّل، لكن من المستطاع مناقشة مساره في مجال الطاقة وعلومها وتقنياتها. إذ ظهر رأي في واشنطن يحضّ على ضرورة أن تنخرط الدولة في ترجمة التقدّم العلمي في الطاقة ومصادرها، إلى تكنولوجيا ومبتكرات تقنية. وبقول آخر، تخلّت الدولة الأميركيّة أكثر من مرّة عن حذرها من ارتياد آفاق التكنولوجيا وسلعها، فضخّت أموالاً فيها، إضافة إلى ما تقدمه لدعم البحث والتطوير في العلوم. في معظم المرّات، حدث دخول الدولة مباشرة إلى عوالم تقنيات الطاقة النظيفة وسلعها المبتكرة، في ظل رؤساء من الحزب الديموقراطي. وفي عهد الرئيس جيمي كارتر، تحت تأثير «صدمة النفط» عقب حرب العام 1973، ضاعفت الدولة إنفاقها على علوم الطاقة أربعة أضعاف، وموّلت للمرّة الأولى تقنيات في الطاقة المتجددة. وتزامنت عودة أسعار النفط إلى مستويات ما قبل 1973، مع وصول الرئيس الجمهوري رونالد ريغان إلى السلطة، فطلب من الكونغرس خفض الإنفاق على علوم الطاقة وتقنياتها، فعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل «صدمة النفط» أيضاً.