أعلن مدير الآثار والسياحة في المجمعة أنه تكتم على زيارة وفد سياحي يضم أميركيين وبريطانيين وهولنديين وعرباً لآثار المنطقة، ولم يبلغوا مراسلي الصحف الرسمية خوفاً من المضايقات والاتصالات، وبرر هذا التكتم بأن سببه وجود نساء في الوفد من دون محرم! وللوهلة الأولى ستتساءل هل هذه النقطة مفبركة أم مقصودة؟ وهل تريد إدارة الآثار والسياحة أن تضع أمامنا ملخصاً لعقدة السياحة في السعودية، والتي تتمثل في تصادم الحالة السياحية مع الثقافة المحلية؟ وهل العقدة الثقافية ستبدأ من هنا؟ من وجود نساء من دون محرم، واضعة الكرة في مرمى السياح، وليس في مرمى المجتمع، الذي لن يفهم الفروق الثقافية بينه وبين الآخرين، وأول من يوضع تحت بقعة الضوء نساؤه اللاتي من دون محرم؟ بحسب توضيحات «اليونسكو»، فإنه يوجد 2000 معلم وأثر سياحي في السعودية، فكيف يمكن إدارة هذه الآثار تحت سياسة التكتم والخش؟ بدلاً من الفخر والإبراز والرعاية، لأنه لا يوجد مجتمع حضاري يتنكّر لتاريخه لمجرد أنه اختلف عنه وابتعد عنه. وزارة السياحة التي بدأت نشاطها منذ سنوات لا تعبر بهذا الخبر إلا بأنها لا تزال في طور (السياحة المنخشة) التي تريد أن تفعل شيئاً لكنها تخاف، وأول مخاوفها هي كلام الناس، وأن يقول الناس في وفودها السياحية (حريمهم من دون محرم). إذا جئتم للحق، فإن مصادمات الثقافة المحلية مع السياحة إن كانت تريد أن تبدأ من نقطة كهذه، فإنها لن تنتهي، فهي بهذا كتبت على نفسها أن تخبر السياح أن بلادنا منطقة صعبة وغريبة بل وبالغة الغرابة، وعلى السياح بدلاً من أن يستخدموا دليلاً للآثار السياحية، ألا يتجاوز نظرهم الدليل الثقافي، (ما يسمح به المجتمع وما لا يسمح به)، وبدلاً من أن يكون هدف الوفود تأمّل الآثار، فإن فضولهم سيقودهم للتفرج على مجتمع كهذا، وقبل أن يقول أحد إن من حق المجتمع أن يقرر طريقة حياته، فإنني أقول إن من قرر طريقة الحياة هذه هم مجموعة من الناس لا يمثلون بالضرورة المجتمع كله ولا مؤسساته، وهذه المجموعة من الناس لا تقرر أن تفرض عزلتها على نفسها، بل وتجعل من قوانين عزلتها قوانين تحكم العالم.الشيخ د. عبدالله بن منيع أعلن قبل أيام بتواضع العلماء عن تراجعه عن موقفه من آثار شقراء، والتي - كما ذكر - كان يظنها مجرد خرائب يجب أن تزال، لكنه عاد وأعلن بعد أن شرح المسؤولون في الآثار والعلماء قيمة الآثار ليؤكد أهمية الأثر الثقافية والتاريخية. هذا الموقف يلخّص قيمة المعرفة، المعرفة التي تغيّر حياة الناس ومواقفهم، وليس إبقاء الناس في حالة جهل معرفي بحجة حمايتهم أو التحقير من شأنهم، ومن ثم يقرر هذا الجهل مخاوفه ورؤيته المحدودة للحياة.قصر الحمراء في الأندلس هو الأعلى سياحة في العالم، حيث يزيد زواره على 7 ملايين سائح في السنة، فلماذا بظنكم يزور السياح من كل مكان في العالم أثراً عربياً في إسبانيا؟ هل لكي يعظّمونه أو ليتبرّكوا به؟ أم لأن تأمل الآثار متعة وغذاء للروح والعقل والحواس؟ إن الرؤية الضيقة للمانعات السياحية تصر على تجهيل الناس وتصويرهم بأنهم جميعاً أميون يعيشون في عقلية الأسطورة والخرافة، وبالتالي ممارسة الوصاية عليهم، وإن حدث ووجد مثل هؤلاء البسطاء، فإن الحل اليوم، وفي هذا العصر لا يكون بحجب الأثر وطمسه كما نفعل مع الأطفال حين نبعد ما يضرهم عن يدهم، بل في توعية الناس وتبصيرهم وتمكينهم من المعرفة القادرة على شفاء جهلهم. [email protected]