تستعد الساحة الحمراء لتكون محط أنظار العالم اليوم الجمعة، في عرض عسكري ضخم ينظم لمناسبة الذكرى ال69 للنصر على النازية. وبات عرض العضلات هذا، على الطريقة السوفياتية بمشاركة أحدث التقنيات القتالية، تقليداً منذ أعاد الرئيس فلاديمير بوتين إحياءه في العام 2008 بعدما ظل لسنوات تلت انهيار الدولة العظمى، يُنظّم في شكل رمزي. وتفيد معطيات وزارة الدفاع بأن روسيا ستعرض نحو 150 قطعة من الآليات والدبابات والصواريخ، يرافقها 10 آلاف عسكري من الجيوش والأساطيل، بينما ستحوم في فضاء الساحة الحمراء على ارتفاع منخفض 69 طائرة حربية بينها مقاتلات ثقيلة من طرازات «ميغ» و»سوخوي»، وأخرى استراتيجية من طراز «توبوليف» التي تعد الأضخم في العالم. ما يميز عرض العضلات في نسخته هذه السنة، أنه يأتي على خلفية مواجهة هي الأسوأ منذ عهود «الحرب الباردة» بين روسيا والغرب، لذلك أعد الكرملين للمناسبة بدقة تتناسب مع روح الحرب المشتعلة في أوكرانيا وحولها. فبوتين المزهو بنسب تأييد تُعتبر سابقة بعد «ضربة المعلم» التي أعادت القرم إلى «الوطن الأم»، سيقف على المنصة التي أُعِدَّت بعناية تخفي ضريح فلاديمير لينين، لكي لا يسرق الأضواء منه ويتيح لصحافي فضولي أن يتذكر أنه مازال يستوطن الساحة على رغم مرور عقدين على انهيار البلد الذي أسسه. وسيواكب «زعيم الأمة» من مقعده موسيقى الحرس الرئاسي وهي ترافق مرور جنود يحملون أعلاماً حمراً عادت إليها للمرة الأولى منذ سنوات المطرقة والمنجل اللذين سقطا بقرار رئاسي سابق... ربما نكاية بالغرب هذه المرة، أو لتثبيت المقولة التي غدت الأوسع انتشاراً: «حاربنا الفاشيين وانتصرنا عليهم عام 1945 وسننتصر على الفاشيين الجدد في 2014». والإشارة هنا لا تخفى، فالحكومة الأوكرانية ومن يدعمها «نازيون جدد» والانفصاليون في شرق أوكرانيا لا يرفعون فوق المباني التي يسيطرون عليها الأعلام الروسية وحدها، بل كذلك شارات «غيورغي» المخططة باللونين الأسود والبرتقالي، والتي غدت رمزاً لذكرى النصر على النازية، وهي توزَّع بكثافة في روسيا خلال الأعياد وتقترن بعبارة: لن ننسى! هكذا بنت موسكو حملتها الإعلامية منذ البداية: نحارب النازية التي أطلت برأسها مجدداً في أوكرانيا، بينما نسي الغرب مآسيها السابقة وهو يدعم فلولها الآن. هنا يكتمل الرابط بين المناسبتين، عيد النصر والحدث الأوكراني الساخن. لذلك لن يكون غريباً أن يشارك في عرض الساحة الحمراء، مع العسكريين الروس، شبان جاؤوا من القرم، وهم من اعضاء «لجان الدفاع الشعبي» الذين سيطروا على البرلمان ورفعوا فوقه علم روسيا وشارات غيورغي، وفتحوا شبه الجزيرة أمام موسكو. استدعاء الأمجاد السوفياتية في خضم المواجهة الحالية مع الغرب، لا يقتصر على الشعارات التي عادت إلى الحياة، والمنجل والمطرقة، وحملات التعبئة الصاخبة، إذ أحيا الكرملين تقليداً سوفياتياً كان دفنه، عندما سمح أخيراً للنقابات بتنظيم مسيرة لمناسبة عيد العمال في الساحة الحمراء. لكن بعضهم يرى ان كل هذا الجهد الموجه داخلياً للحفاظ على شبه الإجماع حول سياسات بوتين، وخارجياً للضغط أكثر على الغرب، لا يخفي مرارة سببها ان الحدث الأوكراني تسبّب في توجيه ضربة كبرى لأحلام سيد الكرملين ببناء اتحاد سوفياتي جديد، عبر مشروع التكامل الأوروآسيوي الذي بات في غرفة الإنعاش. في المقابل، يوحي المشهد بكل ألوانه عشية عيد النصر، بأن الكرملين قرر أن يسير إلى آخر الشوط. لذلك جاءت خطط تنظيم عرض عسكري مصغر في القرم، تشارك فيه 70 آلية عسكرية وعشرات الطائرات، ووصفته المستشارة الألمانية انغيلا مركل بأنه سيكون «أمراً شائناً»، على خلفية التطورات الدموية في أوكرانيا، وحتى لو لم تصدُق التكهنات بأن بوتين سينتقل مباشرة من الساحة الحمراء إلى القرم لحضور هذا العرض، فالأكيد كما قال معلّق معارض أن الرئيس الروسي وهو يحتفل بعيد النصر هذا العام، لا يعرض أمام العالم قدراته العسكرية فحسب، بل يمد لسانه في وجه الغرب.