أصدر رئيس الحكومة المقالة التي تقودها حركة «حماس» في قطاع غزة اسماعيل هنية «تعليمات واضحة» الى قادة الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية بالحفاظ على التهدئة غير المعلنة بين فصائل المقاومة الفلسطينية واسرائيل منذ انتهاء العدوان الاسرائيلي على القطاع في 18 كانون الثاني (يناير) 2009، فيما أكدت الفصائل الفلسطينية التزامها بهذه الهدنة لتجنب هجوم اسرائيلي جديد. وأبلغ هنية المدير العام للمخابرات المصرية اللواء عمر سليمان، في اتصال هاتفي ظهر أمس، بموقف الفصائل الفلسطينية التزام هذه التهدئة غير المعلنة. وأعلن الناطق باسم الحكومة المقالة طاهر النونو في بيان تلاه في أعقاب اجتماع عقده هنية مع عدد من مستشاريه ووزير الداخلية فتحي حماد وقادة الأجهزة الأمنية، أن هنية أصدر «تعليمات واضحة بالحفاظ على التوافق الوطني بين الفصائل المختلفة في خصوص الوضع الميداني في القطاع وحمايته»، الأمر الذي «تم التأكيد عليه في اجتماع الفصائل الفلسطينية» ليل أول من أمس. وقال النونو إن هنية «أشاد بالوعي الوطني الذي تتحلى به كل المكونات السياسية للشعب الفلسطيني للحفاظ على مقدرات هذا الشعب، وتفويت الفرصة على الاحتلال الاستفراد بقطاع غزة في توقيت يختاره ويتجاوز أزمته السياسية والداخلية على حساب الدم الفلسطيني». وأشار الى أن هنية «وضع قادة الأجهزة وأركان وزارة الداخلية في صورة آخر التطورات السياسية والميدانية، بما في ذلك الرسالة التي وصلت من الأشقاء في مصر حول النوايا العدوانية للاحتلال الإسرائيلي». وفي ضوء قرار الحكومة، من المتوقع ان تشرع الأجهزة الأمنية التابعة لها بتشدديد اجراءاتها على طول الحدود مع اسرائيل لمنع إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون. وجاءت تصريحات النونو بعد وقت قصير من نفي المستشار السياسي لهنية الدكتور يوسف رزقة «تلقي حركة حماس تحذيراً من مصر من أن اسرائيل قد تشن حرباً جديدة على القطاع»، في تناقض واضح بين تصريحات الناطق والمستشار. وقال رزقة في تصريح لوكالة «صفا» المحلية: «لم يتم إبلاغنا رسمياً بهذا التحذير، فمصر تتحدث عن هذا الموضوع عبر وسائل الإعلام فقط، من دون إرسال أي أوراق مكتوبة». وقال النونو إن هنية استمع أثناء الاجتماع أمس الى «تقرير مفصل من وزير الداخلية ورؤساء الأجهزة الأمنية حول الواقع الأمني الميداني في القطاع بمختلف مستوياته». وأضاف أن المجتمعين «فندوا الذرائع التي يعلنها الاحتلال مبرراً التصعيد ضد غزة»، وطالبوا المجتمع الدولي «بوضع حد لجرائم الاحتلال وعدوانه على الشعب الفلسطيني وحصاره على غزة». وأشار الى أن هنية «أكد لقادة الأجهزة الأمنية أن دورهم يقتضي حماية السفينة الفلسطينية وتطوير الإجراءات من أجل تعزيز وحدة شعبنا الفلسطيني وصموده وتفاهمه»، وأنه شدد على «ترسيخ التعاون مع كل مكونات الساحة الفلسطينية، وتكثيف الاتصالات مع الأشقاء في مصر لكبح أي عدوان على شعبنا وتعزيز صموده». وكانت فصائل المقاومة عقدت اجتماعاً لها ليل الأربعاء - الخميس في مدينة غزة لبحث الموقف من احتمال شن اسرائيل عدواناً جديداً على القطاع. وشارك في الاجتماع قادة كبار من مختلف الفصائل، بمن فيهم عضوا المكتب السياسي في «حماس» محمود الزهار وخليل الحية، وكذلك ممثلون عن أحد أجنحة «كتائب شهداء الأقصى» الذراع العسكرية لحركة «فتح»، و «حركة الجهاد الاسلامي» ، و «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و «الجبهة الديموقراطية» ولجان المقاومة، بناء على دعوة من «حماس». وأصدرت الفصائل بياناً في أعقاب الاجتماع الذي استمر أكثر من ثلاث ساعات، تلاه القيادي في «حماس» ايمن طه، أكدت فيه «حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالأساليب والوسائل المناسبة في إطار التوافق الوطني»، وهي الصيغة المواربة لالتزام التهدئة. وقال طه إن «الفصائل أكدت في اجتماعها أن شعبنا هو ضحية للاحتلال على مدار قرن». وأضاف أن «الفصائل شددت على حرصها على أمن وسلامة شعبنا وحمايته من العدوان»، وأنها دعت الى «أوسع تحرك فلسطيني رسمي وشعبي على كل المستويات لفضح مخططات الاحتلال ونواياه العدوانية، ومن أجل تعزيز حملات التضامن مع شعبنا». وأوضح أن «الفصائل أكدت ضرورة تعزيز العلاقات الوطنية في ما بينها، وتضافر الجهود لتعزيز الوحدة الوطنية وتوفير مقومات صمود شعبنا في مواجهة أي عدوان محتمل». وأشار طه الى أن «الفصائل دعت حركتي فتح وحماس إلى ضرورة أخذ المخاطر التي تحيط بشعبنا على محمل الجد، وتؤكد على عقد جلسة حوار وطني شامل لإزالة كل العقبات التي تحول دون إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة». وكشفت مصادر فلسطينية ل»الحياة» تفاصيل ما دار في الاجتماع. وذكرت إن «الزهار أبلغ المجتمعين بفحوى الاتصالات المصرية معه وإبلاغه بأن اسرائيل ستنفذ عملية عسكرية كبيرة في غزة في حال استمر إطلاق الصواريخ». وأضافت أنه «تم التوافق على إصدار بيان عن الاجتماع لا يتضمن أي اشارة واضحة الى التهدئة»، وهو ما يفسر اللجوء الى صيغ مبهمة في البيان. وأشارت الى أن «مواقف ممثلي الفصائل تراوحت بين أربعة اتجاهات: الأول التزام قوي بالتهدئة، ومن بينها الجبهة الشعبية القيادة العامة، وحزب الشعب، وفدا، وأحد أذرع كتائب الأقصى، والثاني التزام بوقف اطلاق الصواريخ فقط وعدم طرح مسألة التهدئة أو الهدنة (حماس)، والثالث مع أي توافق وطني حول أي من الاتجاهين السابقين، والرابع مثلته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحدها، ويقضي برفضها، من منطلق سياسي والمطالبة بتشكيل جبهة مقاومة موحدة يمكن لها أن تقرر التهدئة كقرار تكتيكي في إطار المقاومة وليس نتيجة الضغوط الاسرائيلية». ولفتت الى أن «فصائل أخرى، بينها الجبهة الديموقراطية وحركة الجهاد الاسلامي، طالبتا أيضاً بتشكيل هذه الجبهة»، الأمر الذي دفع «حماس» الى الطلب من «الشعبية» و»الديموقراطية» و»الجهاد» تقديم «مشروع تشكيل جبهة مقاومة موحدة» لدرسه. وأشارت الى أن ممثلي «حماس» وعدوا المجتمعين «بنقل الموقف والاتفاق إلى الإخوة المصريين»، خصوصاً وأن الحركة تقدّر بأن «الوضع على درجة كبيرة من الخطورة». ونقلت «فرانس برس» عن خالد البطش القيادي في «الجهاد الاسلامي» الذي حضر الاجتماع، ان طبيعة تعامل منظمته مع اسرائيل «مرتبطة بأداء الاحتلال على الارض. أي عدوان من حقنا المشروع الرد والتصدي له، مع مراعاتنا للتوافق الوطني ومصلحة ابناء شعبنا العليا». ونقلت «رويترز» عن القيادي في «الجبهة الديمقراطية» صالح زيدان، أن مسؤولي أمن مصريين كباراً التقى بهم في القاهرة الثلثاء الماضي، أبدوا قلقهم من احتمال شن هجوم اسرائيلي جديد على غزة. وقال زيدان ان «القيادة المصرية تؤيد عدم اعطاء أي ذرائع للحكومة الاسرائيلية لشن حرب جديدة على القطاع».