على عتبات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين يتساءل المرء: «الى أين يمكن ان تمضي حركات اليمين المتطرف داخل الولاياتالمتحدة الاميركية، وهل باتت بالفعل تهدد حالة وحدة الاتحاد، بخاصة في ضوء تناميها المتزايد والمعادي على وجه التحديد والتخصيص لإدارة الرئيس باراك اوباما؟ في واقع الأمر لا تهم علامة الاستفهام المتقدمة الأميركيين فحسب بل ينسحب الاهتمام، ولا شك، الى بقية أرجاء العالم انطلاقاً من قناعة بأن واشنطن لا تزال حتى الساعة هي مالئة العصر وشاغلة الناس. والشاهد أن وصول الرئيس أوباما كأول رئيس اميركى أسود إلى البيت الأبيض منذ تأسيس الجمهورية الأميركية على أيدي المهاجرين الأوروبيين، أشعل الروح الوطنية المتطرفة بخاصة بعد أن تزايدت الاتهامات له باعتناق الأفكار الاشتراكية تضامناً مع السود الذين يعانون من تدني أوضاعهم الاجتماعية مقارنة بالبيض. في هذا الإطار يمكننا ان نشير الى التقرير الصادر عن مركز قانون الفقر الجنوبي «ساوثرن بوفيرتي لووسنتر» وفيه أن جماعات اليمين الوطني المتطرف تشمل ثلاثة فروع هي: جماعات الكراهية، والجماعات المتطرفة بالمولد، والمنظمات الوطنية، وتعتبر العناصر الأكثر تقلباً في المشهد السياسي الأميركي. وفي حال احتسابها جميعاً فإن أعدادها قد ازدادت بنسبة تزيد على 40 في المئة، إذ ارتفعت من 1248 مجموعة في 2008 إلى 1753 في العام الماضي. وفي التقرير السنوي السابع عشر للمركز والذي جاء بعنوان «ثورة اليمين» نقرأ: «إن أفكار ومعتقدات المنظمات ذات التوجهات الوطنية المتطرفة التي تمارس نشاطها حالياً في الولاياتالمتحدة تتباين ما بين الإيمان بالتفرقة العنصرية وكراهية اليهود والعرب والمسلمين والمتحدرين من أصول أميركية لاتينية والأجانب بصفة عامة، كما أن بعضها يرفض الأفكار الاشتراكية التي يعتقد أنها تسيطر على فكر الرئيس أوباما، ويمجد الفكر النازي، فيما يعتنق بعضها كل هذه الأفكار مجتمعة، ويعتنق البعض الآخر جانباً من هذه الأفكار أو واحدة منها». هل يمكن ان تكون تلك الجماعات اللبنة الأولى في تفكيك وحدة أميركا؟ ربما يكون الأمر أبعد من ذلك قولاً وفعلاً، وبخاصة في إطار ما أشار إليه العالم والديبلوماسي الروسي أيغور بانارين عميد أكاديمية وزارة الخارجية الروسية عن وجود خريطة جديدة للولايات المتحدة، قسّمها إلى ستة أجزاء وتوقع أن ينتهي شكل الاتحاد الحالي في غضون بضع سنوات، وهي كالتالي: - أميركا الأطلسية أي الجزء الشرقي منها الواقع على ساحل المحيط الأطلسي وهذا مرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. - الجزء الشمالي أي آلاسكا حيث ستقوم جمهورية روسيا بضمه. - الولايات الشمالية الوسطى وستقع تحت سيطرة كندا. - جمهورية كاليفورنيا في أقصى الغرب وستقوم الصين ببسط هيمنتها عليها. - الجنوب الأميركي مثل تكساس وسيتجه إلى الجارة المكسيك ليضحي تابعاً لها. - جزر هاواي التي ستضمها اليابان أو الصين. هل بدأ هذا الحديث يجد له مستقراً في الواقع الحياتي الأميركي المعاش وليس في إطار التنظير الفكري فقط؟ الواقع يشير إلى ذلك بالفعل، سيما في ضوء دعوات الانفصال التي تصاعدت في السنوات الأخيرة في عدد من الولايات مهددة ومنذرة بالانفصال عن واشنطن والتخلي عن الاتحاد الفيديرالي ومطالبة بإعلان جمهوريات مستقلة. وقد بدأ هذا الحديث يجد له بعض الأصوات. ففي فيرمونت مثلاً نجد البروفيسور في علم الاقتصاد توماس نايلور، زعيم حركة «من اجل جمهورية فيرمونت الثانية»، يقول: «الدولة الفيدرالية فقدت سلطتها المعنوية وحكومتنا تخضع لأوامر وول ستريت»، في إشارة إلى سطوة القوى المالية الرأسمالية المتوحشة في نيويورك على مصائر وأقدار بقية الأميركيين البسطاء في مختلف الولايات. ويبقى، بلا شك، الحديث، ولو بصورة عابرة، عن الميليشيات الأميركية المسلحة التي علا صراخها ضد الحكومة الفيديرالية. وفي هذا الصدد ليس غريباً أن تجد إعلانات في صحف أميركية كبرى ومحلية أيضاً تردد عبارات «يجب ألا نسمح للحكومة بإدارة شؤوننا وحياتنا، يجب أن نعود إلى أيام الثورة الأميركية الأولى، نحن ثوريون أميركيون». ثم يردف الإعلان بالطريقة الأميركية النمطية: «تعالوا مع أسلحتكم وأصدقائكم». ومن الأمثلة عن تلك الميلشيات مجموعة في ولاية أريزونا نشرت إعلاناً لها يقول بصراحة تامة بضرورة انفصال الولايات عن أميركا الأم وإعلانها دولة مستقلة. قائد هذه الميلشيا الذي يسمس نفسه «الكابتن الثوري»، يدعو إلى إعلان ثورة جديدة كالتي أعلنها الأميركيون الأوائل ضد الاستعمار البريطاني. هل الأمر قاصر على لويزيانا؟ وهل بات على أميركا مواجهة قانون نشوء وارتقاء القوى العظمى ومن ثم أفولها؟ * كاتب مصري