حين يتحدّث إبراهيم معلوف عن والديه يبتسم كثيراً، ويبحث عن كلمات تناسب ما قدماه اليه في طفولته. تلك الابتسامة العريضة، ترافقها كلمات حنونة عن أمه التي أعطته ثقة كبيرة بنفسه، وثقّفته موسيقياً، وامتنان لوالده الذي منحه أجمل مهنة في العالم وزرع فيه حب آلة البوق. عازف الترومبيت الفرنسي اللبناني الأصل، سيقدم حفلة يستضيفها معبد باخوس ضمن مهرجانات بعلبك في 22 تموز (يوليو) المقبل، احتفالاً بعشر سنوات من تقديمه الموسيقى، مع فرقته وعازفين سيدعوهم لمشاركته هذه الأمسية التي وعد بأنها ستكون مميزة جداً. وخلال ساعتين، سيحاول العازف اختصار مسيرة عشر سنوات من الموسيقى والحب والحرية والتنوع والأمل. ولدى سؤاله عن جديده، يتنهد ولا يعرف بما يجيب. فمعلوف (37 سنة) الذي يعد من أبرز عازفي الترومبيت، يعمل على مشاريع عدّة، خصوصاً بعد فوزه بعدد من الجوائز الموسيقية العالمية، ما فتح له أفقاً أوسع ونشر أعماله في بلاد جديدة، خصوصاً بالتأليف الموسيقي للسينما. ومن أبرز مشاريعه «تحية الى داليدا»، وهو عمل ضخم يشارك فيه عدد من المغنين والموسيقيين، وتصوير وثائقي في ولاية أريزونا الأميركية، إضافةً الى كتابة الموسيقى لأفلام سينمائية، والتحضير لألبوم جديد. ولكن ماذا عن فيروز، ألا تستحق منه تحية أو عملاً؟ يقول معلوف ل «الحياة»: «في حفلاتي أعزف كثيراً من أعمالها، ووجهت لها تحية في ألبومي الأول، وأرغب في تخصيص ألبوم كامل لها، لكن التعامل مع المقربين منها صعب جداً، لذا صرفت النظر حالياً عن الفكرة، على عكس ما حصل معي مثلاً مع ورثة أم كلثوم الذين رحبوا ب «تخصيصي ألبوماً لها («كلثوم» - 2015) وقدموا لي كل المساعدة المطلوبة». يتحدث معلوف، الذي غادر لبنان وهو صغير جداً بعد اندلاع الحرب الأهلية، عن أم كلثوم كمن يتحدث عن الحبيبة، هو الذي نشأ على صوتها وألحان أغانيها، وتمتع بموسيقاها الشرقية وتشبّع منها، ما ساعده لاحقاً على تقديم نمط موسيقي خاص به، يمزج ما بين الجاز والموسيقى العربية الكلاسيكية. ويعتبر معلوف كوكب الشرق مناضلة وحققت ذاتها في مجتمع ذكوري. يعتبر معلوف الذي نال جائزة «سيزار» عن موسيقى فيلم «في غابات سيبيريا» للفرنسي صافي نينو، نفسه لبنانياً عربياً لا فرنسياً. ويبدو ذلك واضحاً من لهفته في الحديث عن بلده، وتعلقه بمتابعة أخباره، ورفضه العزف في إسرائيل بعد دعوته من مهرجانات عدّة، على اعتبار أن وطنه الأم في حالة حرب وعداء مع هذه الدولة. ويوضح أنه متابع للحركة الموسيقية في العالم العربي، وهو معجب ببعض الأسماء، ولطالما فكر في التعامل مع موسيقيين لبنانيين والتأليف الموسيقي لبعض المغنين، لكن أحداً لم يتواصل معه. وعن الفرق ما بين الجمهور الغربي والشرقي يقول: «لا فرق واضحاً بين الحمهورين، لكن ما لاحظته من خلال حفلاتي هنا أن فئة من الجمهور اللبناني لا تحب الموسيقى من دون غناء، وتفضل حضور أمسية غنائية، على عكس الجمهور الأوروبي». ويتميز العازف الشاب بموهبة فنية في عزف نغمة الربع على البوق، والتي تسمح له بتقديم المقامات والنظم الموسيقية التقليدية العربية. وورث تلك الحصيلة من الأساليب التكيفية عن والده العازف نسيم معلوف ومبتكر البوق بصماماته الأربعة، بدلاً من البوق التقليدي ذي الثلاثة صمامات، مستخلصاً أسلوباً دقيقاً يجاوز المعايير الأكاديمية الغربية. ويعتبر معلوف الذي برزت موهبته للجمهور بعد أدائه «كونشرتو مزدوجة الكمان» المقطوعة الأشهر لباخ وكان عمره 15 سنة، أن لا فرق بين الكتابة الموسيقية للسينما ولسواها، ففي الحالتين يبني قصة ويتتبع مسارها ويبتكر أحداثاً ليصل الى ما يريده. ويوضح أن الفرق أنه في السينما يكون محاطاً بالمخرج وفريق عمله، ويغدو ممثلاً غير مرئي، خصوصاً لدى النقاش مع المخرج وتعديل بعض الأفكار. لحّن معلوف الحائز لقب «فنان عربي يعمل من أجل الحوار بين الثقافات» من منظمة «يونسكو»، أغنية «باريس في الخريف» التي كتبها الروائي أمين معلوف وغنتها لوران، وهي مدرجة ضمن المنهج الدراسي الموسيقي في باريس، ونال الكثير من الجوائز العالمية، وشارك في حفلات مع نجوم عالميين منهم البريطاني ستينغ.