عندما عاد من بلاد بعيدة بعد 10 سنوات قضاها بعيداً من داره التي عاش فيها، تغيرت عليه ملامح الدار، لم يعد يرى طابعها التاريخي ولا شواهدها الأثرية، تبدلت عليه أشياء كثيرة، لكنه لم يستسلم وبدأ «رحلة التوثيق» للمدينة التي تموج لها أفئدة العالم الإسلامي. معاذ العوفي من مواليد المدينةالمنورة، فنان ومصور فوتوغرافي يعمل على استكشاف وتوثيق منطقة المدينةالمنورة وما جاورها منذ أربع سنوات، وذلك لإظهار كنوزها التراثية والمعمارية والتاريخية. عاد من الدراسة ورحلة الغربة التي أخذت منه 10 سنوات بشهادة البيئة وبشغف جعله يبحث عن جوهر مدينته الحبيبة. بدأت حكايته عندما حطت قدماه على أرض المدينةالمنورة ورأى فيها التغير الكبير، بحث عن حل لهذا الأمر وقرر أن يبدأ بنفسه البحث في آثار مدينة المصطفى. لم يتوقف عن البحث عن آثارها داخل النطاق المعماري فقط، بل ذهب للبحث في صحاريها وجبالها وأوديتها كذلك. يقول العوفي ل «الحياة»: «أبحث عن شيء ما تغير علي داخل المدينة، شوارعها، مبانيها، أسواقها وحاراتها القديمة، إذ شهدت المدينةالمنورة العديد من الخطوات التطويرية في السنوات ال10 الماضية، خصوصاً إنشاء بعض المناطق السكنية التي أعتبرها جديدة، ولم أكن أعهدها وكأنها مدينة جديدة». أسس معاذ فريقاً للتوثيق الجوي ومنصة «المثبي» في المدينة، ويقول: «دراستي في مجال إدارة البيئة والتنمية المستدامة رسّخت العديد من المفاهيم والقيم لديّ جعلتني أستقبل ما أراه وأعايشه في المدينةالمنورة بشكل مغاير ومن منظور مختلف، فمثلاً أسعى من خلال رحلتي في المدينة الى توثيق تراثها العمراني المنفرد وأرشفته للأجيال القادمة بطريقة منسقة وحديثة». رحلات التوثيق التي يقوم بها المصور الفوتوغرافي ليست مفروشة بالورد، ففيها مصاعب وأخطار الصحراء ومفاجآتها، يقول أيضاً: «في شكل عام، الصعوبات تكمن عند التصوير في تعامل الناس مع الكاميرا التي لا تزال تعتبر أداة تتعدى على الخصوصية، على رغم انتشارها، أما عند الاستكشاف خارج المدينةالمنورة فهي منطقة صحراوية والصحراء تحتاج للحذر والحيطة وتحمل المسؤولية». يؤكد العوفي أنه كلما اكتشف شيئاً جديداً في مدينته يزيد لديه الحنين. لذا، كان ارتباطه باكتشافاته وجدانياً. وعن أبرز اكتشافاته ل «معالم المدينة الإسلامية» يقول: «لم أكن أعلم كثيراً عن معالم مدينتي التي عشت فيها، إذ تتفرد محافظاتها بالجمال والأعاجيب مثل محافظة خيبر وحرّاتها»، مشيراً إلى اختلاف تضاريس منطقة المدينةالمنورة وتنوعها، خصوصاً عندما نراها من الجو. ويتابع: «محافظة خيبر قريبة جداً إلى نفسي، وما زلت أكتشف حالها وغموضها، ثم جبل العُهين ونقوشه التاريخية الموغلة في القدم، كذلك نقوش جبل تذرع». وهو- وفق تعبيره- لا يبحث عن اكتشاف آثار جديدة في المدينة ليقال عنه إنه أول من وصل إلى هذا المكان، بل لأنه يريد نقلها للأجيال المقبلة، ويستطرد بالقول: «المهم أن يعزّز ما وصلت إليه قيمة في حياتنا، وأن يقدم لمن لا يعرفه إضافة كبيرة». يجوب المصور الفوتوغرافي المدينةالمنورة وضواحيها وهو يحمل كاميرا رسمت لوحات فنية بصور التقطها في أماكن عدة أثناء تجوله واستكشافه، حتى تكونت لديه مجموعة من الصور المذهلة التي تخصصت في تراث المدينة، شارك فيها في عدد من المعارض الفنية، يقول: «عملت على تحويل الصور والأفكار أعمالاً فنية، مثل عمل أبواب بر لك، الذي تم عرضه في قاعة أثر في جدة». كما شارك العوفي أخيراً في «منتدى مغردون» الذي أقيم على هامش زيارة الرئيس الأميركي ترامب للرياض بمعرض بعنوان: «التشهد الأخير» يحوي مجموعة صور للمساجد المترامية على أطراف المدينةالمنورة بطريقة فنية رائعة. يريد العوفي أن يخدم المدينةالمنورة ثقافياً من خلال استكشافاته، وفنياً من خلال صوره ومعارضه، ويختتم حديثه بالقول: «سأعمل على اكتشاف ذاتي أكثر، ونشر ثقافة الاستكشاف والمغامرة لدينا، وتعزيز الهوية الوطنية في نفوسنا، وخدمة منطقة المدينةالمنورة ثقافياً وفنياً».