فوجئت حينما تحادثت مع صديق لي لم أره منذ عدة أشهر، ويعمل في القطاع المدني الحكومي، الذي لا يؤمن طبياً على منسوبيه، باستثناء منسوبي القطاعات العسكرية، الذين يعالجون في مستشفيات تابعة لقطاعاتهم، أنه ذهب لإحدى شركات التأمين المحلية ليقوم بالتأمين على نفسه وأسرته طبياً على حسابه، ورفضت الشركة ذلك من دون أي سبب قانوني، معللة ذلك باتفاق جميع شركات التأمين على عدم تقديم خدمة التأمين الصحي على المواطنين السعوديين الأفراد، الذين يرغبون في ذلك على حسابهم، وهذا يذكرني باتفاق بعض تجارنا على رفع أسعار سلع معينة، أو منع بيع سلع معينة بطريقة احتكارية فجة ومحرمة دولياً، وقبل ذلك شرعياً. زميل آخر انتقل للعمل من إحدى الهيئات الحكومية التي توفر التأمين لمنسوبيها إلى وزارة لا توفره، وبدأت رحلة معاناته مع بنته المريضة، إذ المستشفيات الحكومية التي تعاني من التزاحم، وقلة الأسرة، وعدم زيادتها مع نمو السكان في المملكة، وقصة متناقضة وحقيقية حدثت لمقيم عربي من دولة مجاورة، أتى للمملكة بتأشيرة عمل بهدف العلاج! إذ اتفق مع مدير المؤسسة من جنسيته على تقديم خدمة التأمين الطبي له، وقام بإجراء عمليات عدة وغادر إلى بلاده فوراً. في حين يحرم المواطن السعودي، الذي يضخ المال في هذه الشركات من التأمين، ولو على حسابه. وهذه الأخبار من أغرب الأخبار التي تدل على عدم وجود رقابة فاعلة على أداء تلك الشركات التي استقبلتها السوق السعودية خلال السنوات الخمس الماضية، منها عدد كبير من شركات التأمين بلغ عددها حتى اليوم 31 شركة وبعضها في الطريق، ويقوم تأسيسها على ضخ المواطن السعودي أمواله في اكتتابات هذه الشركات التي يناط بمثيلاتها في جميع دول العالم التأمين على المواطنين والمقيمين، خصوصاً في مجالي الصحة والممتلكات. إن رفض هذه الشركات، مهما كان المبرر، رغبة المواطن التأمين على حسابه طبياً بحاجة سريعة لمساءلتها من الجهات المسؤولة، فإما أن تقدم هذه الخدمة، أو تسحب تراخيصها وتصفى رؤوس أموالها، فصحة المواطن السعودي أهم من كل شيء، على رغم علمي أن كثيراً من هذه الشركات تحقق خسائر من رؤوس أموالها، وتتيح هذه الخدمة زيادة أرباحها بدلاً من رفضها تقديم الخدمة التي وضعت من أجلها. إن تنظيم التأمين الطبي على الجميع يوفر على الدولة الكثير من الأموال والجهود التي تبذلها في قضية العلاج الطبي، فنحن نجد الكثير من اللجان التي يقدم عليها المواطنون للسفر إلى الخارج بغرض العلاج بسبب أن الدولة تتكفل بعلاج بعض الحالات المرضية، فلو كان هناك تأمين طبي منظم لما احتاج المرضى إلى مثل هذه الاستجداءات من بعض المسؤولين الرسميين للسفر للخارج، أو للحصول على علاج طبي في مستشفيات معتبرة في الداخل، فشركات التأمين تقوم بعلاج الحالات التي لا يتوفر لها علاج في الداخل وترسلها للخارج. عند البحث حول عدم وجود تأمين طبي للمواطنين في المملكة نجد أن جهات رسمية تذكر أن هناك تنظيمات تدرس وفي طريقها للتطبيق، ولكن هذه النغمة نجدها تتردد من سنوات طويلة ولم نجد توجهاً حقيقياً لتوفير هذه الخدمة الأساسية للمواطن والمقيم، فمقارنة مع معظم دول العالم نجد أن التأمين الطبي هو من أساسيات الحياة في تلك الدول، ونجد بطاقة التأمين من الأساسيات التي يحصل عليها ويحملها في محافظهم هؤلاء المواطنون، أما نحن، وعلى رغم أننا دولة غنية بمواردها المالية وقلة عدد سكانها نسبياً، إذ لا يتجاوز عدد المواطنين السعوديين سكان إحدى العواصم العربية الكبرى مثل القاهرة، فإن قضية التأمين الصحي وتوفير العناية الطبية لا تزال متخلفة، على رغم أنها من ضروريات الحياة. فهل شركات التأمين لدينا بهذه الأنانية بسبب عدم وجود التشريعات الحكومية التي تلزمها بتقديم هذه الخدمة لجميع وليس لموظفي الشركات والهيئات فقط؟ فماذا عن موظفي القطاع العام، خصوصاً القطاعات المدنية، وكذلك قطاع المتقاعدين الذين في الأساس يعانون من انخفاض مداخلهم، فعندما يحتاجون للخدمات الصحية تمثل لهم تلك المواقف كوارث إنسانية في بلد الإنسانية، فنحن نجد الكثير من القصص الإنسانية من احتجاز مواليد، أو منع مرضى من الخروج من بعض المستشفيات، بسبب عجز أهاليهم عن دفع المستحقات المالية عليهم، فهل يتبرع أحد من الجهات الحكومية بتعليق جرس هذه القضية الإستراتيجية، أتمنى ذلك قريباً. [email protected]