في فترة ما قبل الحرب على الإرهاب، ثار سخط المؤسّسات المعياريّة الكبرى التي تدير الإنترنت بسبب رقابة الحكومات عليها، إلى حدّ أنها سعت إلى جعل التشفير موجوداً في الإنترنت كلها. ومع تصاعد موجات الإرهاب الإسلاموي (خصوصاً «داعش» و«القاعدة» و«النصرة»)، استسلمت تلك المؤسّسات لضغوط الحكومات الكبرى في شأن منع انتشار التشفير، بدعوى أن المنظمات الإرهابية تستفيد منه. من المستطاع تشفير محتويات بريدك الإلكتروني، لكن يجب فك التشفير عند جهتي الإرسال والتلقي كي ينجز ذلك الأمر. وعلى نحو مُشابِه، من المستطاع تشفير مكالماتك الصوتية، لكن إنجاز الاتصال يوجب أيضاً تشفير الرقم الذي تطلبه، وموقع هاتفك، وأرقام هوية هاتفك. وأخيراً، لا يحمي التشفير حاسوبك أثناء استعماله، فيبقى عرضة للاختراق من جانب المجرمين أو الحكومات، بشرط أن تكون مستهدفاً بشخصك، ما يعني أن التشفير يحميك من أن تُصاب ضمن ضربة إلكترونية عامة ك «وانا كراي». وتعني تلك الأشياء كلها أن التشفير جزء مهم من الحل، لكنه ليس الحل بأكمله. حاضراً، يشكل برنامج «تور» TOR أفضل أداة لحماية سرية هويتك على الإنترنت، إذ يتميز بالسهولة في الاستعمال، ويتيح استعمال هويات بديلة للتهرب من الرقابة والحجب. ويستطيع برنامج «أونيون شير» إرسال الملفات عبر الإنترنت مع إغفال الهوية، بفضل برنامج «تور». ثمة أشياء بسيطة تستطيع استخدامها في صد الرقابة. حاول الحصول على معلومات كافية قبل اتخاذ قرار بأن تضع على هاتفك تطبيقاً رقميًا يطلب موقعك وبيانات أخرى. بإمكانك التوقّف عن وضع معلومات تُعرّف عنك في حساباتك على مواقع ال «سوشال ميديا». وأحياناً يكون صدّ الرقابة أمراً سهلاً تماماً. يكفي وضع لاصق فوق كاميرا الكومبيوتر فتكف عن التقاط الصور لمصلحة طرف استطاع أن يسيطر عليها من بُعد. أحياناً، يكون الأمر بمثل سهولة أن تقول «لا»، المقصود بذلك هو النأي بالنفس عن إعطاء معلومات شخصية على الاستمارات المتنوعة. على ال «سوشال ميديا» فكّر ربما بمخادعة لا أكثر فكّر في طرق لإعطاء معلومات محرّفة عنك. مثلاً، عندما تتسوّق في ال «مول»، استخدم بطاقة أحد الأصدقاء بين الفينة والفينة، ويؤدّي ذلك إلى تشويه معلومات الرقابة عنها. ويمكنك أن تتبادل بطاقات «المقرّبون»/»المميّزون» التي تعطيها المخازن الكبرى إلى زبائنها الدائمين، مع أصدقائك وجيرانك. هناك أمان في الأرقام أيضاً. كلما زاد عدد من يستعملون «تقنيّات تعزيز الخصوصيّة» (ال «بِت») تصبح تلك البرامج أكثر قدرة على حماية من يستعملها. لماذا؟ إذا كان عدد من يستخدم برامج ال «بِت» ضئيلاً، يصبحون موضع اشتباه فيهم، لكنهم يصبحون كالسمك في الماء إذا تكاثرت أعدادهم. تستطيع أيضاً البحث عن أسماء عشوائيّة على «فايسبوك» كي تضلّل من يسعى لمعرفة مَنْ تعرفهم فعليّاً. في أفضل الحالات، يمثّل ذلك حلاًّ جزئيّاً، لأن تحليل المعلومات يحتاج إلى التمييز بين الإشارات التي تحمل بيانات، والإشارات ذات الدلالة العشوائيّة التي تشبه الضوضاء، ما يعني أن إضافة مزيد من الضوضاء يصعّب مهمة تحليل البيانات. تستطيع أن تعطي معلومات مغلوطة عنك في الاستمارات على ال «ويب»، أو كلما طُلِب منك. تذكّر أنّ أبناءك يفعلون ذلك طوال الوقت. في بدايات زمن التسوّق الإلكتروني، كانت سلسلة مخازن «راديو شاك» Radio Shack تطلب روتينيّاً من الزبائن أرقام هواتفهم وعناوين بيوتهم. في تلك الحال، استعمل عنواناً لشيء معروف، كمبنى البلدية أو قصر الموسيقى أو المدرسة الثانوية، واكتبه باعتباره عنوانك الشخصي، مع مراعاة عدم ذكر ما يشير إلى الأصل. بإمكانك أيضاً إعطاء عنوان وهمي، لكن يجب أن يكون له حضور فعلي كي لا ينكشف الأمر بسهولة عند التحقّق منه عبر الانترنت. أحياناً، يعطي الخداع نتائج مذهلة، إذا مورس بتقشف وتقطّع. هنالك قصة معروفة عن مجموعة نشطاء مغاربة، كان البوليس السري يتعقّب منهم كل من لا يملك هاتفاً خليويّاً، ما يعرضه للضرب أيضاً. وعمد أعضاء المجموعة إلى اقتناء خليويّات، لكنهم كانوا يتركونها في المنازل عندما يريدون إخفاء تحرّكاتهم فعليّاً. وبصورة أكثر تعميماً، إذا سدّت على الرقابة المعادية الأقنية كافة، تنسد أمامك إمكانيّة خداعها أيضاً. استناداً إلى التكنولوجيا، تستطيع كسر أنواع من نُظُم الرقابة. تستطيع رشّ طلاء على عدسات كاميرات المراقبة. إذا كنت «هاكر» متمرّس، تستطيع تعطيل نُظُم الرقابة على الإنترنت، حذف أو تشويش قواعد بيانات الرقابة، أو ممارسة أنواع اخرى من التخريب. لكن، توخّ الحذر لأن معظم الأشياء التي وردت توّاً هي... غير قانونيّة. ثمة طرق شرعية وسهلة، كتعمّد إدخال معلومات عشوائيّة ومحرّفة عنك في استمارات الإنترنت. ويترتّب على كثير من تلك الأشياء أكلاف اجتماعيّة أو ماليّة أو هدر الوقت، إضافة إلى العبء النفسي للوقوع في براثن «عقدة الاضطهاد» على مدار الساعة. لكن، لِم لا تجرّب رفض بطاقات «المقرّبون»/»المميزون» التي تعطيها المخازن الكبرى إلى زبائنها الدائمين. هل فكّرت في المعلومات الغزيرة التي تقدمها بلا انقطاع على مواقع ال «سوشال ميديا»؟ إذاً، فكر بالتقليل منها، بل الاكتفاء بالحد الأدنى فعليّاً منها. يجب على كل منا بذل قصارى جهده، استناداً إلى الإيمان بأن الخصوصيّة أمر مهم وأنّه يجب أن نمارس حقوقنا وإلا... فقدانها!