مرت أمس، ثلاثون سنة على اغتيال الرئيس السابق لحكومة لبنان الشهيد رشيد كرامي. واستعاد الذكرى ومواقف «الرشيد» عدد كبير من السياسيين وسجلت مواقف للمناسبة. وتلا الوزير السابق فيصل عمر كرامي الفاتحة على ضريح عمه في مقابر باب الرمل في طرابلس، بمشاركة حشد شعبي. وجرى وضع أكاليل من الزهر على أضرحة العائلة الكرامية في المقبرة التي تحتضن الرؤساء عبدالحميد ورشيد وعمر كرامي. وحيّا رئيس الجمهورية ميشال عون «روح الرئيس الشهيد»، معتبراً «أنّ اللبنانيين اليوم، في الوقت الذي يعيدون فيه بناء وحدتهم الوطنية والالتفاف حول قيمهم الجامعة، يستشرفون من مواقفه سبل ترسيخ انتمائهم الوطني الواحد، لا سيما أن مواقفه الثوابت تميّزت بالدعوة الدائمة إلى صون المؤسسات الوطنية والحفاظ على العيش المشترك والاعتدال، واعتماد الحوار طريقاً لانتظام الحياة الوطنية وترسيخ الوفاق، ورفض كل أشكال التقسيم». ودعا عون إلى «المضي قدماً في توطيد هذا الإرث الذي تركه الرئيس كرامي باستشهاده، بزخم الوفاء لشهدائنا، بذلك نعطي أبناءنا وطناً موحداً يليق بطموحاتهم». وغرد الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي عبر «تويتر» قائلاً: »نشهد أياماً نفتقد فيها حكمة الرئيس رشيد كرامي وعمقه الوطني والعروبي ورصانته وصلابته في الدفاع عن لبنان. تحية لك في ذكراك يا شهيد الاعتدال». وذكّر الوزير السابق فيصل كرامي في كلمة إلى اللبنانيين، بأن «الاغتيال تم على متن طوافة عسكرية للجيش اللبناني، وتبين لاحقاً أن المنفذين تمكنوا من اختراق بعض ضباط وعناصر الجيش لتدبير هذه الجريمة البشعة، وملف هذه الجريمة فُتح أمام القضاء اللبناني وجرت تحقيقات ومحاكمات أوصلت أعلى هيئة قضائية في لبنان، وهي المجلس العدلي، إلى إدانة المرتكبين الذين تم تهريب معظمهم إلى خارج لبنان، وحكم على الرأس المدبر سمير جعجع بالإعدام مع تخفيف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة. ولا بد من تذكير أخير، بأن رشيد كرامي لم يكن زعيم ميليشيات، ولم يتورط في الحرب الأهلية، ولم يقتل على جبهات التقاتل بين اللبنانيين، بل كان لحظة اغتياله عنوان الحوار والسلم الأهلي واللاعنف والتوافق بين اللبنانيين لوضع حد للحرب العبثية المجنونة التي دمرت الوطن ولا تزال مفاعيلها وآثارها ورموزها تمعن في تدمير ما بقي من هذا الوطن حتى يومنا هذا». وأعاد إدانة «الطبقة السياسية التي ارتكبت هرطقة غير مسبوقة في تاريخ الأوطان والدول، حين أخرجت قاتل رئيس حكومة من السجن بعفو خاص مهين لمؤسسة الجيش وسلطة القضاء، ويعادل اغتيالاً ثانياً لرشيد كرامي وما يمثل». وقال إنه يريد استباق القول إن «المحاكمة كانت سياسية وكيدية، وإن «الأجهزة» لفقت التهم والمحاكمات»، للقول «إن العفو غير القانوني لا يعني البراءة، ولم نكن يوماً مع الظلم والظالمين، وإذا كان جعجع واثقاً من براءته فليتفضل ويطلب إعادة المحاكمة. لكن هذا لن يحصل، لأن التهمة ثابتة». وقال: «حين قلنا لم نسامح ولن ننسى، فلأن لا قيامة لوطن ودولة ومؤسسات على قاعدة الجريمة، ولأن رشيد كرامي رجل الدولة الذي أمضى زهاء 35 سنة في سدة المسؤولية، رئيساً لعشر حكومات ونائباً في البرلمان وزعيماً شعبياً مهما تبدلت مواقعه في السلطة أو المعارضة، فكان أنقى وأرفع تجسيد للمسؤولية الوطنية. ولن يستقيم أمر هذه الدولة سوى على قاعدة العدالة، فنحن طلاب عدالة ولسنا طلاب انتقام». وعاهد الراحل على البقاء «على العهد والنهج ولن نكون مع نظرية ركوب التيار، أو ركوب الموجة، أما لبنان الصفقات المشبوهة، ولبنان الخارج عن الدستور والقانون، ولبنان الذي فرز المواطنين إلى فرق مذهبية، ولبنان المرتهن مالياً لمديونية عامة أفقرت الشعب وقضت على الطبقة الوسطى، فهو الذي يستمر في اغتيال رشيد كرامي، وموقعنا واضح، نحن مع الدستور والقانون والدولة والمؤسسات وحقوق الشعب، والقضية المركزية للعرب هي القضية الفلسطينية». واعتبر وزير العمل محمد كبارة أنه «كلما مرت السنوات، شعرنا بحجم الخسارة التي نتجت من استشهاده. ففي هذا الزمن السياسي الرديء، نحتاج إلى حكمته وحنكته، وأفقه الواسع، ورجاحة عقله وتضحياته من أجل قيامة لبنان، وتمتين عرى وحدته الوطنية، وتعزيز أمنه واستقراره». وقال: «بغياب الشهيد الرشيد نفتقد قامة سياسية وطنية نادرة، ونفتقد رجلاً مارس السياسة بصدق وأمانة وأخلاق ونبل، مؤكدين أن نهجه القائم على الإيمان بالعروبة والوطنية سيبقى نبراساً، ومدرسة سياسية للأجيال، وأن قضيته ستبقى حية، وأن المجرمين سينالون عقابهم عاجلاً أم آجلاً». وحيا النائب محمد الصفدي «روح الرئيس الشهيد، رجل الدولة والحوار والاعتدال، الذي تميّزت مسيرته بمحبة طرابلس وبالدفاع عن الوحدة الوطنية وعن عروبة لبنان». واتصل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بفيصل كرامي، مواسياً ومستذكراً مزايا الرئيس الشهيد. وأكد «أنه كان رائداً من رواد الوحدة الوطنية ومميزاً في مواقفه الوطنية والعربية والإسلامية التي ضحى من أجلها لإنقاذ لبنان وتعزيز عيشه المشترك».