بدأت أمس عملية إخلاء مقاتلي المعارضة السورية من مدينة حمص بوسط البلاد، في مقابل إفراج المعارضين عن دفعة من الجنود والمدنيين المؤيدين للنظام كانوا محتجزين في حلب، كبرى مدن الشمال السوري، وآخرين خُطفوا في كسب بريف اللاذقية على الساحل السوري، في حين تعثّرت عملية إدخال مؤن ومساعدات غذائية لبلدتي النبّل والزهراء الشيعيتين بريف حلب. وإذا كان خروج المقاتلين من حمص بعد صمود وُصف بأنه «أسطوري» طوال أكثر من سنة، يعني أن النظام بات يتحكم في شكل شبه كلي بالطريق الممتدة من دمشق شمالاً وحتى الساحل السوري، فإن الاتفاق بين حكومة الرئيس بشار الأسد والمعارضة في شأن حمص التي تُعرف ب «عاصمة الثورة»، أثارت بلبلة في صفوف المعارضة وأدت إلى خروج تظاهرة في حلب أعلن المشاركون فيها تأييدهم ل «جبهة النصرة»، ذراع تنظيم «القاعدة» في سورية، ورفضهم أي حل مع الحكم السوري. وتتم عملية خروج مقاتلي المعارضة من حمص نحو بلدتي تلبيسة والدار الكبيرة بريف المحافظة في باصات وفرتها الحكومة السورية وتحت إشراف الأممالمتحدة. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بعد ظهر أمس أنه «ارتفع إلى حوالى 400 عدد مقاتلي الكتائب المقاتلة والكتائب الإسلامية الذين وصلوا من أحياء حمص المحاصرة إلى الريف الشمالي لحمص، ومن المنتظر وصول دفعة جديدة منهم إلى الريف الشمالي». ويُتوقع أن يصل عدد المقاتلين الذين سيغادرون حمص قبل تسليمها إلى قوات النظام، إلى أكثر من 1200 مقاتل، إضافة إلى أفراد من عائلاتهم. وفي مقابل خروج المعارضين من حمص، أفرج مقاتلو المعارضة عن عدد من جنود النظام في حلب وعن آخرين خُطفوا من كسب في ريف اللاذقية. ونقلت «رويترز» عن ناشط قوله إن مواطناً روسياً وإيرانيين عدة بين من سيفرج عنهم مقاتلو المعارضة. لكن، لم يرد تأكيد من مصدر مستقل، علماً أن موسكو وطهران تساندان نظام الرئيس بشار الأسد في الحرب الأهلية التي بدأت منذ أكثر من ثلاث سنوات. وأوضح «المرصد» أنه «تبين أن ال15 المختطفين الذين أفرج عنهم في اللاذقية هم من المختطفين من قرى يقطنها مواطنون من الطائفة العلوية في ريف اللاذقية الشمالي، كانت قد اختطفتهم الكتائب الإسلامية والدولة الإسلامية في العراق والشام منذ شهر آب (أغسطس) من العام الفائت 2013، ومن المنتظر الإفراج عن دفعة جديدة منهم». وأشار «المرصد» إلى أنه «لم تصل حتى اللحظة (بعد ظهر أمس) قافلة المساعدات المتوجهة نحو بلدتي نبّل والزهراء بريف محافظة حلب واللتين يقطنهما مواطنون من الطائفة الشيعية، بسبب إيقافها من جانب كتيبة إسلامية قرب البلدتين». وكان لافتاً أن اتفاق إجلاء المعارضين من حمص أثار استياء في حلب، إذ ذكر «المرصد» أن «متظاهرين في حي الشعار في المدينة رفعوا لافتات كُتب عليها «نحن لا نسعى لحكم البلاد ولكن نسعى لتحكيم الشريعة في البلاد»، ونادى المتظاهرون بشعارات «لا إله إلا الله وبشار عدو الله، واللي بحبو عدو الله»، كما حمل بعض المتظاهرين رايات «جبهة» النصرة (تنظيم «القاعدة» في بلاد الشام)، وحملوا لافتة كتب عليها: «طز بالمصالحة الوطنية». ونقل عن أحد المتظاهرين: «نحن مشروع شهادة، نحن ضد أي اتفاق جزئي أو مخزٍ يأتي على المسلمين بغير ما يُرضي الله، ونحن خرجنا لنصرة المظلوم». وتمنى المتظاهر على «جبهة النصرة» والكتائب الإسلامية والكتائب المقاتلة أن يصمدوا ويدفعوا الأذى عنهم، قائلاً: «نحن ضد فك الحصار عن نبّل والزهراء، هم الذين قتلونا». أما وكالة الأنباء السورية فنقلت عن محافظ حمص طلال البرازي تأكيده «أن الدفعة الأولى من المسلحين في أحياء حمص القديمة بدأت بالخروج». وأردف أنه «بالتزامن مع عملية خروج المسلحين من المرجح أن تبدأ عملية التسوية والمصالحة لجعل مدينة حمص خالية من السلاح والمسلحين». وأشار البرازي إلى أنه «يتم العمل لكي تشمل العملية جميع أحياء حمص وليس حمص القديمة فقط». وقال إن «وحدات الجيش والقوات المسلحة ستقوم بعد خروج المسلحين بعملية التفتيش وتفكيك العبوات الناسفة والألغام وإزالة السواتر الترابية». وذكرت مواقع مؤيدة للنظام السوري أن موضوع إدخال المساعدات إلى نبّل والزهراء هو الذي أخّر تنفيذ اتفاق حمص القديمة والذي أُبرم يوم الجمعة الماضي، ذلك أن مسلحي المعارضة «طلبوا انسحابهم أولاً ولكن الحكومة السورية أصرت على أن يكون الأمران بالتوازي». وأشارت معلومات مؤيدي النظام إلى أن «المسلحين سيخرجون من حمص عبر خمس دفعات إلى الدار الكبيرة وفي الوقت نفسه يتم إطلاق جميع مختطفي نبّل والزهراء في ريف حلب». وأوضحت أن «المسلحين سيخرجون مع أسلحتهم الفردية فقط لا غير ووجهتهم مدينة تلبيسة في الريف الشمالي في حافلات أمنتها الدولة السورية وما تبقى من سيارات وأسلحة للمسلحين سيبقى داخل حمص القديمة». وأشارت إلى أن مسلحي المعارضة «طلبوا أن تكون الحافلات التي تقلهم ذات زجاج أسود ومن دون تصوير». ونقلت وكالة «فرانس برس» عن «أبو الحارث الخالدي»، وهو أحد المشاركين في التفاوض على اتفاق حمص من جهة المعارضة، قوله في اتصال عبر الإنترنت: «قرابة الساعة العاشرة صباحاً (بالتوقيت المحلي)، خرجت ثلاث حافلات تحمل على متنها 120 شخصاً من أحياء حمص القديمة». وأوضح أن هؤلاء هم «من المدنيين والمقاتلين المصابين وغير المصابين»، وأنهم «توجهوا إلى بلدة الدار الكبيرة»، على بعد 20 كلم شمال حمص. وبث ناشطون معارضون شريطاً مصوراً قالوا إنه لبدء عملية الخروج. ويظهر الشريط عدداً من الرجال، بعضهم ملثم والآخر يضع قبعة على رأسه، وهم يسيرون في صف منتظم للصعود إلى متن حافلتين خضراوين وقف بجانبهما عناصر من الشرطة السورية. وحمل بعض الخارجين حقائب على ظهورهم ورشاشات خفيفة. وبدت في الشريط حافلة ثالثة، وسيارة رباعية الدفع تحمل شعار الأممالمتحدة. وذكرت «فرانس برس» أن المصور يُسمع وهو يقول «لحظة ركوب المقاتلين الحافلات ليخرجوا من الأحياء المحاصرة». وبعد نحو ساعة، أكد أبو الحارث بدء وصول المقاتلين إلى مقصدهم في الدار الكبيرة. وأظهر شريط مصور بثه ناشطون على موقع «يوتيوب»، وصول المقاتلين إلى «الريف الشمالي لحمص»، من دون تحديد المكان بدقة. وبدا مقاتلون ينزلون من حافلتين، قبل أن يصعدوا على متن شاحنتين صغيرتين من نوع «بيك آب». وبدا أحدهم يستند إلى عكازين للمشي، في حين تجمع عدد من المقاتلين في البلدة على متن الدراجات النارية. ويأتي الاتفاق بعد مفاوضات بين النظام والمعارضة بإشراف الأممالمتحدة، يفترض بموجبه أن تدخل القوات النظامية الأحياء المحاصرة بعد انتهاء عملية خروج المقاتلين. ولا يشمل الاتفاق حي الوعر الذي يسيطر عليه مقاتلو المعارضة في مدينة حمص. ويقع الحي الذي يقطنه عشرات الآلاف غالبيتهم من النازحين من أحياء أخرى، في جوار أحياء حمص القديمة. وفي حال خلو المدينة من مقاتلي المعارضة، يكون الجزء الأكبر من محافظة حمص بات تحت سيطرة القوات النظامية، باستثناء بعض المعاقل في الريف الشمالي مثل تلبيسة والرستن. كما أشارت «فرانس برس» إلى أن مدينة حمص تُعد ذات رمزية كبيرة في الاحتجاجات ضد النظام السوري، وشهدت الكثير من التظاهرات ضده منذ منتصف آذار (مارس) 2011. واستعاد النظام غالبية أحياء المدينة عبر حملات عسكرية عنيفة، أدت إلى دمار كبير ومقتل حوالى 2200 شخص منذ بدء الحصار في حزيران (يونيو) 2012، وفق «المرصد السوري». ويضع الاتفاق عملياً حداً للمعارك في مدينة حمص، قبل شهر من الانتخابات الرئاسية التي ستنظم في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، والتي اعتبرتها المعارضة السورية والدول الغربية «مهزلة». وقال مدير «المرصد» رامي عبدالرحمن في اتصال هاتفي مع «فرانس برس»: «هذه هزيمة للمجتمع الدولي وليست انتصاراً للنظام. ثمة صمود أسطوري في حمص على رغم سنتين من الحصار». وأضاف: «على رغم ذلك لم يفعل المجتمع الدولي أي شيء»، معتبراً ما يجري اليوم «انتصار إعلامي للنظام لأن لحمص رمزية مرتبطة بالثورة السورية». ونقل ناشطون ألماً في صفوف المقاتلين الذين غادروا المدينة. وقال ناشط في بلدة تيرمعلة في ريف حمص التي انتقل إليها بعض المقاتلين الذين خرجوا من حمص، إن هؤلاء «جائعون» و «يشعرون بالغصة». وقال «وائل» ل «فرانس برس» عبر الإنترنت «هم جائعون جداً. سألت أحدهم عن شعوره، فنظر إلى دامعاً وقال: أشعر بالجوع والغصة لمفارقة حمص». ونقل الناشط عن المقاتل قوله «أحسست بأن روحي خرجت من جسدي وأنا أنظر إلى حمص أثناء مغادرتها». وكان «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» وجّه تحية إلى مقاتلي المعارضة في حمص قبل أيام، مشيداً «بصمودهم الأسطوري على مدى أكثر من عامين على رغم محاولات النظام المستمرة لكسر إرادتهم من طريق تدمير الأبنية على رؤوس أصحابها كما قصفه المتواصل بالأسلحة الثقيلة في ظل الحصار والتجويع ونقص الذخيرة». وكان اتفاق أشرفت عليه الأممالمتحدة، أتاح في شباط (فبراير) خروج حوالى 1400 شخص من الأحياء المحاصرة وإدخال مساعدات إنسانية إليها.