واجه الفريق الاقتصادي للرئيس دونالد ترامب ردة فعل عنيفة إثر إعلانه مسودة موازنة عام 2018 ، وكان أبرز الوعود تقليص مبلغ 3.6 تريليون دولار في إنفاق الحكومة الفيديرالية على مدى العقد المقبل، بالتزامن مع خفوضات ضريبية وتمويل مشاريع البنية التحتية بقيمة تريليون دولار في السنوات العشر المقبلة. وعلى الفور، رد الاقتصاديون على مدير مكتب الموازنة مايك مولفاني، معتبرين أن الخفوضات الضريبية ستؤدي إلى تدنٍ أكبر في عائدات الحكومة منه في إنفاقها، ما يعني زيادة في العجز السنوي البالغ نصف تريليون دولار. وأنفقت الحكومة 3.5 تريليون دولار عام 2016 ، وجنت نحو 3 تريليونات دولار من عائداتها الضريبية وغيرها. ويعتقد مولفاني أن خطته «ستفضي إلى تقليص الإنفاق بواقع ربع تريليون دولار سنوياً، تعادل التراجع ناقص تكاليف البنية التحتية. لكن المبلغ المذكور لن يؤدي إلى خفض العجز بواقع النصف، لأن موازنة ترامب للعام المقبل، تلحظ تقليصاً ملحوظاً في الضرائب، يتوقع الاقتصاديون بمَن فيهم فريق ترامب نفسه، أن يكلف الخزينة نحو نصف تريليون دولار سنوياً من عائداتها. في المحصلة، تتدنّى عائدات أميركا إلى 2.5 تريليون دولار سنوياً بحسب موازنة ترامب لعام 2018 ، وكذلك الإنفاق إلى 3.25 تريليون في الوقت ذاته، ما يعني ارتفاعاً في العجز الفيديرالي السنوي إلى نحو 750 بليون دولار. ويثير ذلك معارضة شديدة من حزب ترامب الجمهوري، الذي يسيطر على غالبية في الكونغرس بغرفتيه. لكن مولفاني استعاد النظرية الاقتصادية التي يلجأ إليها الجمهوريون في كل مرة يسعون إلى خفض الضرائب والمعروفة ب «رسم لافر»، والقاضية بأن تقليص الضرائب يرفع النمو ما يؤدي إلى ازدياد مداخيل الأميركيين، وتالياً زيادة ضرائبهم وعائدات الحكومة. ويبدو أن مولفاني تخلى عن وعود ترامب الانتخابية القائلة بدفع الناتج المحلي الأميركي إلى النمو بمعدل 4 في المئة سنوياً، فقال إن «خطة موازنة العام المقبل التي يقدمها ستفضي إلى رفع نمو الناتج المحلي من 2 في المئة الذي يسجله سنوياً منذ العام 2001 ، إلى 3 في المئة سنوياً. مرة أخرى، انتفض الاقتصاديون على مولفاني، وأكدوا أن من شبه المستحيل رفع النمو الاقتصادي في وقت تبلغ نسبة البطالة 4.4 في المئة، وهي من المعدلات الادنى التي يعتبرها الاقتصاديون بمثابة «يد عاملة كاملة». ويستبعدون حصول مزيد من التراجع. وغياب العمال، بحسب آراء الاقتصاديين، يعني تلقائياً صعوبة رفع النمو. في موضوع اليد العاملة، قدم فريق ترامب رداً مبتكراً بالإشارة إلى مجموعتي بيانات تصدرهما وزارة العمل الأميركية حول سوق العمل. تُعرف المجموعة الأولى ب «يو 3»، وهي تعتبر العاطلين من العمل الأميركيين ممّن يبحثون عن وظيفة، وهي المتداولة إعلامياً. المجموعة الثانية من البيانات تحمل اسم «يو 6»، وهي تأخذ في الاعتبار الأميركيين العاملين في وظائف بدوام جزئي أو يبحثون عن عمل أفضل من ذلك الذي يشغلونه. ووفقاً ل «يو 6» يبلغ عدد الأميركيين العاطلين من العمل أو من العاملين بدوام جزئي 6 ملايين. ويوضح مولفاني أن خطة ترامب تتمحور حول إعادة توظيف هؤلاء، ما يكفل برفع نسبة النمو من 2 إلى 3 في المئة سنوياً. لكن زيادة النمو في سوق يعمل فيها 160 مليوناً، تعني أن إضافة 3.75 في المئة من اليد العاملة لن ترفع 50 في المئة من نمو الناتج المحلي سنوياً، ما يعني أن الوصول إلى نمو 3 في المئة صعب المنال في الولاياتالمتحدة في المدى المنظور. ويعني ذلك أيضاً أن الخفوضات الضريبية المقترحة لا يمكنها رفع النمو والعائدات، بالنسب التي يتصورها ترامب وفريقه. في السياق ذاته، لفت اقتصاديون خصوصاً من الليبراليين، إلى أن تقليص مبلغ 360 مليون دولار سنوياً من الإنفاق الحكومي على رعاية الفقراء الذي يشكلون 20 في المئة من السكان بحسب بعض التقديرات، في مقابل إعطاء أموال إضافية إلى أغنى 10 في المئة من الأميركيين، يعني حصر المال في يد عدد أصغر من الأميركيين، أي خفض عدد المستهلكين ما يؤثر سلباً في نسبة النمو الاقتصادي. مسودة موازنة 2018 التي قدمها ترامب، تغرق في مشاكل الحساب والاقتصاد. ربما لهذا السبب، يعتبر الأميركيون أن مسودات الموازنة التي يقدمها الرؤساء تكون عادة عبارة عن «لائحة تمنيات» يوجهها الرؤساء لمناصريهم. أما الموازنة الفعلية التي يقرها الكونغرس، فهي تختلف في العادة جذرياً عما يطلبه البيت الأبيض، ما يفسر تصريحات أركان الجمهوريين في الكونغرس، بالقول انهم سيباشرون العمل على موازنة 2018، وسيأخذون في الوقت ذاته مسودة الحكومة في الاعتبار.