أثيرت مسألة الحجاب في كندا للمرة الأولى على خلفية أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، واعتبر ارتداؤه حينذاك من المؤشرات الإرهابية. وسرعان ما اتسعت دائرة الإسلاموفوبيا، خصوصاً في مقاطعة كيبيك، وأدرج الحجاب في نقاشات مستفيضة في إطار ما سمي «الملاءمات المعقولة»، عبر لجنة بوشار - تايلور عام 2008، إضافة إلى تشدد «شرعة القيم الكيبيكية» عام 2013 في العلمنة ومنعها المظاهر الدينية، بما فيها ارتداء الحجاب في المرافق العامة ومنها المدارس والجامعات والمستشفيات والبلديات ومراكز الشرطة والمحاكم وغيرها. وخلافاً لحملات التضييق على الحجاب خلال حكم الحزب الكيبيكي وحزب المحافظين الاتحادي، فقد لاقى قبولاً وترحيباً واسعين في عهدي الليبيرال الكيبيكي والكندي، وتنامى عدد المحجبات في مجمل المقاطعات وفي قطاعات العمل والإنتاج بمعظمها بما فيها الوظائف العامة. وحديثاً، صدرت وثيقة عن المؤتمر السنوي الخامس والثمانين ل «جمعية المعرفة الفرانكوفونية» وانعقد في جامعة ماكغيل بمونتريال جاء فيها «أن الشابات اللواتي يعملن في دوائر الحكومة وإن كن يرتدين الحجاب، لسن ضد العلمنة بل هن يحترمنها ويتعايشن معها كخيار للدولة التي يعشن في ظلها». ويوضح برتراند لافوا الذي تناول هذا الجانب في أطروحة دكتوراه أجرى خلال إعدادها مقابلات مع ثلاثين شابة مسلمة محجبة يعملن في وظائف متنوعة في القطاع العام بكيبيك ومع مجموعة أخرى مماثلة تخضع حالياً لدورة تدريبية تمهيداً لدخوله الوظائف الرسمية. و «لدى هؤلاء الشابات المحجبات قناعة كاملة بقبول فصل الدين عن الدولة والعلمانية المنفتحة التي تحترم أديان الآخرين». ويضيف: «ذلك لم نره ولم نسمع به طيلة النقاشات التي كانت تجرى منذ سنوات خلت»، مشيراً إلى أن فكرة العلمنة أخذت تلاقي قبولاً وانتشاراً في ظل تصالحها مع الحجاب، لا سيما أن الهوية المهنية باتت هي المعيار الأهم ولم تعد تتوقف عند الاعتبارات الدينية أو غيرها». هذا الاتجاه الجديد بالتصالح مع العلمنة أو بالانفتاح عليها يترجم بممارسات عدد كبير من الجيل الثالث أو الرابع من المسلمات المحجبات اللواتي حصلن على شهادات ثانوية أو جامعية ويرغبن في الوصول إلى سوق العمل سواء في القطاع الخاص أو العام. ففي معرض «سوق العمل» الذي يعقد سنوياً، يتقدم آلاف الخريجين والخريجات وبينهم محجبات بالطبع، من مختلف الاختصاصات العلمية والمهنية ويجرون مقابلات شخصية مع أرباب العمل يتقرر في ضوئها قبول المرشح أو رفضه. واستكمالاً لهذه المبادرة التي تقتصر على القطاع الخاص، أصدرت الحكومة الكندية أخيراً ولأول مرة قراراً يتيح للراغبين في الحصول على وظيفة عامة أن يرسلوا سيرَهم الذاتية إلى مكتب الخدمات العامة لينظر فيها. ومعلوم أن هذه المكاتب تتعامل مع الملفات بكثير من الحياد ومن دون أي تدخل أو محاباة سواء لجهة أصل المرشح أو جنسيته أو دينه أو جنسه أو مظهره الديني، ما خلا أهليته وكفاءته العلمية والمهنية التي تبقى المعيار الأول والأخير. وإلى ذلك، أنشئت لجنة خاصة للتدقيق في طلبات المرشحين ومواكبة آلية استدعائهم للخدمة وتوقيعهم عقود العمل. وتشديداً على صدقية تلك المبادرة الحكومية، تقول الطالبة المغربية فاطمة وهي محجبة ومجازة بالعلوم البيئية: «استدعيت إلى إجراء المقابلة الشفوية ولم يطلب مني خلع الحجاب»، وهو ما كان يحصل سابقاً حتى في جلسة أداء القسم أثناء الحصول على الجنسية الكندية. وتتابع فاطمة: «أبلغت لاحقاً بقبولي موظفة في قسم الدراسات البيئية وهو ما شكل مفاجأة كبيرة لم أصدقها للوهلة الأولى». وتقول رئيسة «الجمعية الإسلامية الكيبيكية» خديجة داريد أن عدد المسلمات المحجبات بلغ نحو 20 ألفاً في كيبيك منهن 5 في المئة يشغلن وظائف عامة في قطاعات التعليم والإدارة والأمن والشرطة والإعلام والتمريض وغيرها.