تتسارع الخطى السعودية في مجال الطاقة النووية السلمية بعدما قطعت خمس المسافة في مشوارها لإنشاء مفاعل الوحدات الصغيرة المدمجة «سمارت». ووضعت المملكة العام الماضي، مبادرات وافق عليها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، لاختيار وتهيئة مواقع لبناء أربعة مفاعلات نووية بحلول العام 2020. وبدأت مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في العام 2016، برنامج بناء القدرات البشرية لمشروع مفاعل «سمارت»، والاستثمار في هذه التقنية من خلال بنائه داخلياً لدعم إنتاج الكهرباء وتحلية المياه، إضافة إلى تصديرها وتسويقها خارجياً، وكذلك تطوير القدرات البشرية لتأهيل سعوديين في هذا المجال. ويأتي هذا البرنامج بالشراكة مع معهد أبحاث الطاقة الذرية الكوري لتدريب مهندسين سعوديين، لمدة ثلاث سنوات، يبدأ بالتدريب ومن ثم المشاركة في إعداد التصاميم الهندسية ل«سمارت». ووقع المعهد الكوري مع المدينة في أيلول (سبتمبر) العام 2015 على اتفاق لتصميم «سمارت»، ويستمر المشروع لمدة 30 شهراً. وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أكمل 33 مهندساً سعودياً تدريبهم في المرحلة الثانية من برنامج تطوير القدرات البشرية، والذي استمر لمدة ثلاثة أشهر تخللته برامج فنية مكثفة في مجالات مختلفة في الطاقة النووية، منها برامج متخصصة في تصميم قلب المفاعل، ونظام الموائع، والتصميم الميكانيكي، والتفاعل بين الآلة، وتحليل السلامة لتقنية مفاعلات «سمارت». وبدأت المرحلة الثالثة للبرنامج في كانون الثاني (يناير) الماضي، وتتمثل في التدريب الميداني والمشاركة في إعداد التصاميم الهندسية لمفاعل «سمارت» على أن تستمر هذه المرحلة لمدة عام كامل. وكشف الاجتماع الثاني للجنة التوجيهية السعودية - الكورية المشتركة عن إنجاز أكثر من 20 في المئة من أعمال التصاميم الهندسية لمفاعل «سمارت» وإكمال نجاح المرحلتين الأولى والثانية من برنامج تطوير القدرات البشرية للمهندسين السعوديين المشاركين في المشروع. وتعد تقنية مفاعل الوحدات الصغيرة المدمجة «سمارت» من تقنيات الجيل الرابع الحديثة جداً في مجال المفاعلات النووية التي تتميز بكونها متعددة التطبيقات لناحية إنتاج الكهرباء والمنتجات الحرارية، إضافة إلى ارتفاع معايير السلامة فيها، وسهولة تصنيعها وتشييدها، ومن ثم سهولة إدخالها على الشبكة الكهربائية. وقال رئيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة الدكتور هشام يماني في كلمة ألقاها في أعمال المؤتمر الدولي للطاقة الذرية الذي عقد العام 2016، إن «المدينة تمارس الأنشطة الرقابية المتعلقة بمشروع إنشاء أول مفاعل بحثي في المملكة والذي تم منحه رخصة الإنشاء في العام 2015، وهو مفاعل منخفض الطاقة في الرياض، ويستهدف بشكل اساس تدريب وتأهيل الكوادر البشرية الوطنية». وحتى سنوات قليلة، لم تكن السعودية معنية باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، إلا أن المملكة التي تملك ربع الاحتياط النفطي العالمي قررت منذ العام 2000 أن تهتم بهذه الطاقة، على رغم أن أسعار النفط كانت مرتفعة حينها، وربما يفسر توجهها ودول نفطية أخرى إلى تقليص انبعاثات أوكسيد الكربون. ووضعت السعودية خططاً لإدخال الطاقة النووية، لأسباب اقتصادية وبيئية أو جيواستراتيجية، وذلك بهدف خلق توازن في استخدام الطاقة النووية. والطاقة النووية هي الطاقة التي يتم توليدها من طريق التحكم في تفاعلات انشطار أو اندماج الأنووية الذرية، وتستغل هذه الطاقة في محطات توليد الكهرباء النووية، لتسخين الماء لإنتاج بخار الماء الذي يستخدم بعد ذلك لإنتاج الكهرباء، إذ شكلت نسبة الكهرباء المنتجة من الطاقة النووية في العام 2009 حوالى 13 إلى 14 في المئة من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة في العالم. وتعد الطاقة النووية مصدراً لا ينضب للطاقة، وما يثير المعارضة حول مستقبلها هو الكلفة العالية لبناء المفاعلات، والمخاوف العامة المتعلقة بالسلامة، وصعوبة التخلص الآمن من مخلفاتها عالية الإشعاع، إلى جانب أن كلفتها عالية نسبياً. إلا أن السعودية أكدت انها تستخدم أكثر التقنيات تقدماً والتي تم اختبارها باهتمام بالغ للأمن والسلامة والضمانات، وذلك لتقديم أعلى المعايير الدولية عند إنشاء المفاعلات النووية المخطط لها أن تولد 17.6 غيغاواط من الكهرباء تدريجياً حتى العام 2032، وذلك بحسب مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة. ومن المقرر ان يكون مفاعل الأبحاث منخفض الطاقة لبنة أساسية في دعم البحوث النووية ونقل المعرفة والتقنيات العالمية، وتقوم المختبرات والتجهيزات المتطورة في المركز الوطني للتقنية النووية على خدمة التعاون البحثي والتقني مع الجامعات والمراكز البحثية المحلية، وإتاحة فرص الاستفادة من التجهيزات والإمكانات الموجودة لطلبة الدراسات العليا، خصوصاً مختبرات القياس الإشعاعي ومختبرات المعايرة الوطنية، ويوفر المركز إمكاناته في عمليات قياس ورصد غاز الرادون وتحديد مستويات التلوث الإشعاعي خارج المختبرات في مواقع المدينة. وصمم المفاعل بحيث يكون متعدد الأغراض وركيزة أساسية في وضع اللبنات الأساسية لتطوير الكوادر البشرية في المجالات العلمية في شكل عام ومجالات العلوم النووية خصوصاً، وتم وضع مواصفات المفاعل وتصميمه من مختصي المدينة وبمشاركة مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة وبيوت خبرة عالمية بأعلى معايير الأمان المتبعة دولياً. المملكة تستعين بخبرات آسيوية وأوروبية وقعت السعودية واليابان في سبتمبر الماضي، 17 اتفاق تعاون في مجالات الطاقة والبتروكيماويات والصناعة والكهرباء، خلال زيارة ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان إلى اليابان. فيما وقعت مع الصين في يناير الماضي 14 اتفاقاً ومذكرة تفاهم، شملت بعضها التعاون في مجال الطاقة المتجددة بين مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، وإدارة الطاقة الوطنية في الصين، إضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم للتعاون لإقامة المفاعل النووي ذي الحرارة العالية والمبرد بالغاز. وأيضاً وقعت مع فرنسا في العام 2011، اتفاقاً ثنائياً للتعاون في مجال تطوير الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، لتعزيز فرص التعاون بين البلدين ضمن اطار المعاهدات الدولية المتعلقة بالسلامة وعدم الانتشار. وشهد العام 2016 توقيع اتفاقات ومذكرات تفاهم ثنائية مع دول عدة، منها كل من هنغاريا ومصر.