عاود أخيراً وباء الكوليرا اجتياحه السريع والخطير لأغلب المحافظات والمدن اليمنية، بعد نحو شهر من انحسار جزئي لموجته الأولى، التي بدأت بالانتشار في تشرين الأول (أكتوبر) 2016، ليبدو هذه المرة أكثر توحشاً وأسرع انتشاراً، بفعل التلوث البيئي غير المسبوق في مياه الشرب، بالتزامن مع تراكم النفايات في شوارع وأحياء العاصمة صنعاء والعديد من المحافظات الأخرى منذ نحو ثلاثة أسابيع، بسبب إضراب عمال النظافة عن العمل، لعدم صرف مرتباتهم للشهر الثامن على التوالي. وترجح مصادر مقربة من المنظمات الدولية العاملة في اليمن، أن يكون وباء الكوليرا انتقل إلى اليمن عبر «المهاجرين من القرن الأفريقي، الذين يستمر توافدهم إلى اليمن رغم الحرب الدائرة فيه منذ أكثر من عامين»، وهو ما أكده أيضاً وكيل وزارة الصحة والسكان في الحكومة الشرعية علي الوليدي بقوله: «إن بعض حالات الإصابة بالكوليرا ظهرت لدى عدد من اللاجئين الأفارقة في عدن». وأوضحت المصادر التي تحدثت إلى «الحياة» أن «التدمير الكبير الذي أصاب منظومة الإمدادات العامة للمياه، دفع أغلب السكان «لنقل المياه يدوياً، وفي أوانٍ غير نظيفة، ما يجعلها أكثر عرضة للتلوث، حيث ثبت تلوث مياه الشرب بالفضلات البشرية، إضافة إلى تكدس القمامة بكميات كبيرة في شوارع المدن وأحيائها، ما ساعد على سرعة انتشار الوباء، في شكل غير متوقع». ووفق منظمة الصحة العالمية، فقد ارتفعت حالات الكوليرا والإسهالات الحادة في اليمن خلال أسبوعين في شكل كبير، وقال نيفيو زاجاريا ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن في تصريحات صحافية نشرت أخيراً، «إن تفشياً سابقاً انحسر في الشتاء الماضي، وشهدت البلاد إجمالاً 27 ألف إصابة، منها 130 حالة وفاة»، وأضاف زاجاريا «نحن نشهد عودة نشاط وباء الكوليرا، وهذا أمر مقلق للغاية». وكشفت المنظمات الدولية العاملة في اليمن، حدوث ارتفاع مخيف في عدد حالات الإصابة بالإسهالات المائية الحادة، وأكدت السلطات اليمنية أن عدد المصابين بهذه الإسهالات خلال ثلاثة أسابيع بلغ حتى صباح الأربعاء 17 أيار (مايو) الجاري 17219 حالة، منها 257 حالة إصابة بالكوليرا مؤكدة مخبرياً، وارتفع عدد الوفيات إلى 206 حالات، في حين أعلنت منظمة الصحة العالمية الخميس الماضي، تسجيل نحو 20 ألف حالة اشتباه بالكوليرا، وأن 222 حالة وفاة مرتبطة حصلت في 17 محافظة. ودعا خبراء دوليون إلى تعزيز الوعي المجتمعي حول أسباب وطرق انتشار وباء الكوليرا، وكيفية الوقاية منه والحد من انتشاره، حيث أعدت منظمتا ال«يونيسيف» و«الصحة العالمية» وبالتنسيق مع وزارة الصحة اليمنية، جملة من النصائح المهمة التي تساعد السكان على الوقاية من الكوليرا، وتركز جلها حول الاهتمام بالنظافة الشخصية والأسرية، وتعقيم المياه بالكلور أو غليها في حالة عدم توافر هذه المادة، وتجنب أكل الخضروات التي لا يتم طبخها، إضافة إلى ضرورة الإسراع بنقل المصابين إلى أقرب مستشفى. وقال نائب وزير الصحة في الحكومة الشرعية، الدكتور عبدالله دحان في تصريحات صحافية، ان حالات الإصابة بالكوليرا في تزايد مستمر، وأن الإسهالات المائية الحادة باتت تشكل تحدياً حقيقياً لليمنيين، بخاصة أن عدداً ليس قليلاً من الحالات المبلغ عنها ثبتت إصابتها بالكوليرا، وأعلنت سلطات الانقلاب أن مدينة صنعاء باتت منكوبة، ووفق منظمة الصحة العالمية فإن أكثر من 6200 حالة إصابة سجلت فقط في العاصمة صنعاء، ما جعلها تتصدر قائمة المحافظات ال17 التي تنتشر فيها الكوليرا، من حيث عدد الإصابات والوفيات. وتواجه المستشفيات والمراكز الطبية في اليمن صعوبة بالغة في استيعاب الحالات المتزايدة من المصابين بالإسهالات الحادة، خصوصاً في العاصمة صنعاء حيث تكتظ أروقة المستشفيات بالمصابين، ما دفع المنظمات الدولية إلى نصب مخيمات فيها لاستيعاب الأعداد المتزايدة منهم، وقالت منظمة «يونيسيف» في بلاغ: «نعمل بلا توقف مع المنظمات الأخرى لمضاعفة الدعم من أجل السيطرة على الوباء في مختلف المحافظات». الناطق باسم المنظمة في اليمن محمد الأسعدي، أكد أن الموجة الثانية للكوليرا «أشد ضراوة من الأولى، نظراً الى أنها جاءت بعد أن استنفد الناس كل وسائل التعايش مع الأزمة التي تعصف بالبلد، وأصبح السكان أكثر عرضة للخطر وللأمراض والأوبئة من أي وقت مضى، إضافة إلى أن انتشار جرثومة الكوليرا تزامن مع موسم الأمطار، وانتشار المستنقعات المائية، ولجوء الكثير من الأهالي إلى أساليب غير آمنة للحصول على المياه ما جعلهم عرضه للخطر، إلى جانب مشكلات الصرف الصحي والنظافة العامة، وتكدس القمامة في الشوارع، واتساع رقعة الفقر الذي لا يمكن كثير من الأهالي من نقل مرضاهم إلى المرافق الصحية». وقال الأسعدي في حديث إلى «الحياة» أن «يونيسيف» تعمل بلا توقف مع الشركاء من السلطات الصحية ومنظمة الصحة العالمية وغيرها، وأنها قدمت أكثر من 7 أطنان من الإمدادات العلاجية لمواجهة الاسهالات الحادة والكوليرا للمستشفيات في الأمانة ومحافظة صنعاء، وأن لدى قطاع الصحة مخزوناً أولياً كافياً للحالات الطارئة في المحافظات الأخرى التي ظهرت فيها الحالات، وقرابة 70 طناً من الأدوية والإمدادات العاجلة ستصل الشهر المقبل». وأشار الأسعدي إلى أن «يونيسيف» تعمل أيضاً في الجانب الوقائي حيث تم «تعقيم عشرات الآبار وناقلات المياه والخزانات المنزلية في المناطق والمحافظات اليمنية المتضررة، وتقديم المساعدات للمواطنين الذين أنهكتهم الحرب على مدى عامين، إلى جانب جهودها في المسار العلاجي»، وشدد على أهمية «إحلال السلام من أجل إيصال المساعدات الصحية، والاستجابة الإنسانية في شكل سريع للحد من انتشار هذه الأوبئة القاتلة». وأكد الناطق أن هناك «مخاوف من وجود حالات إصابة بوباء الكوليرا، ووفيات في بعض المناطق النائية والبعيدة من المدن، التي لم تستطع السلطات الصحية رصدها، نظراً الى قلة الإمكانات والكفاءات العاملة في المدن الرئيسية، خصوصاً مع توقف قرابة 54 في المئة من المرافق الصحية جراء الأزمة الراهنة، ولعدم تمكن السكان في تلك المناطق من نقل المصابين إلى المستشفيات العامة في المدن، سواء بسبب المواجهات الدائرة فيها، أو لعدم قدرة الأهالي على تحمل الكلفة المالية لنقل المصابين إلى مستشفيات المدن». كما حذرت منظمة «أطباء بلا حدود» من تفشي الكوليرا في اليمن، بخاصة أن «عدد المرضى زاد بنسبة كبيرة خلال الأسبوعين الماضيين»، وقالت المنظمة في بيان «نحن قلقون للغاية من أن انتشار المرض سيستمر ويخرج عن السيطرة»، بخاصة أن الحصول على الرعاية الصحية أصبح صعباً للغاية على ملايين اليمنيين، إضافة إلى ذلك توقف عدد من المرافق عن العمل بسبب عدم وجود موازنة لتشغيلها، ودفع رواتب الموظفين منذ أيلول (سبتمبر) 2016. وعبرت مصادر طبية يمنية عن مخاوفها نتيجة الانتشار المتسارع لمرض الكوليرا، وقالت المصادر ل «الحياة» قد نجد أنفسنا خلال فترة قصيرة جداً «أمام وضع كارثي، بخاصة مع تراجع فاعلية ودور المنظومة الطبية في اليمن». وأكدت المصادر على أهمية «تكامل جهود السلطات الطبية المحلية مع جهود المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال، لتقديم الخدمات العلاجية اللازمة للمصابين بالكوليرا في مختلف المناطق اليمنية التي ينتشر فيها الوباء، وبالتزامن مع ذلك يكون العمل على إصلاح منظومة المياه العامة، وتعقيم آبار وخزانات المياه وصهاريج نقلها، لضمان حصول السكان على مياه نظيفة، إلى جانب تنظيف المدن الرئيسية التي تتراكم النفايات والقمامة في شوارعها، بسبب إضراب عمال النظافة لعدم صرف مرتباتهم لثمانية أشهر متتالية».