كغيره من أساليب الاحتيال والحصول على الأموال، أصبح التسول فناً له طرائقه، وأساليبه المبتكرة، فتقمص المسكنة وقصص من تقطعت بهم السبل لم تعد كافية لاستدرار الجيوب والحصول على الغلة والتقاط «حسنات» المحسنين، إذ لا بد من ابتكار أسلوب جديد يستعطف الناس و«يغترف» ما تنوء به جيوبهم، إذ عندما يثبت المظهر الديني نجاحه في كسب تعاطف الناس وإقبالهم على الصدقات، فهو لن يكون بقليل فائدة عند توظيفه في «طلعة» تسولٍ أمام جامع كبير في حي متخم بالمحسنين من الأغنياء. وأكد إمام جامع عثمان بن عفان في حي الربوة عبد السلام الغامدي وقوفه على حالات يظهر فيها المتسول بمظهر ديني، وقال ل «الحياة»: «لاحظت ذلك كثيراً خصوصاً من بعض الجاليات الآسيوية، إذ يأتيني أحدهم ويقول إنه يحفظ القرآن الكريم كاملاً ويطلب مني اختباره لتأكيد ذلك، وأجده صادقاً بعد الاختبار، ليبدأ بعدها في طلب المال». وأشار الغامدي إلى كثرة المتسولين الذين يظهرون بمظاهر «المتدينين» كإطالة اللحية، وتقصير الثوب، وأضاف: «غالبيتهم من كبار السن يستدلون بآيات قرآنية وأحاديث نبوية تحث على الصدقة وإعانة المحتاج، ويقسمون بأن الفاقة والحاجة هي ما أجبرتهم على التسول، فيقبل الناس على مساعدتهم والتبرع لهم»، وأردف: «أستحي من مثل هؤلاء، فلا أستطيع إسكاتهم أو أن أطلب منهم التوقف عن السؤال، وقد يكفيني أحد المصلين ذلك فينهرهم عن السؤال بهذه الطريقة، كما أنني أعلم يقيناً كذب بعضهم حينما يحمل أوراقاً قديمة أو مزورة عن حاله المرضية، لكنني أقدر أن هذا الزمن الصعب والإيفاء بمتطلبات الحياة شاق حتى على من لديهم قدر كافٍ من الدخل، وأعذرهم لجهلهم». ولا يخفي الشيخ عبدالسلام من لجوء البعض إلى تسول «مؤدب»، «البعض يحرص على مظهر ديني مهيب، ويقتنص الأثرياء أو من يعرفون بتعاطفهم وقبولهم المسبق لشخصيته الدينية، طالباً استدانة مبلغ من المال، أو المساعدة في ظرف طارئ، وتمضي شهور وسنوات من دون أن نجد له أثراً، أو أملاً في أن يعيد ما استدانه إلى صاحبه». أما تسول «المنعمين» فهو آخر ما توصل إليه محترفو التسول، فبإمكان أحدهم أن يرتدي أجمل الثياب وأبهاها، ويمتطي سيارة فاخرة، يستوقفك أمام إشارة ضوئية ليسرد لك قصة طويلة يختصرها توسل سريع بنجدته وهو منقطع السبيل، وابن الأثرياء الذي لم يجد سبيلاً لتزويد سيارته بالوقود، أو لتعطل بطاقته الائتمانية. وعن تجربته مع مثل هؤلاء، يحكي فهد الزهراني: «رأيت أحدهم ينزل من مركبة فاخرة، واستوقفني عند إحدى محطات تعبئة الوقود، ليعلمني أنه تعرض للسرقة، ولا يستطيع تدبر مالٍ وهو في طريق سفر، مختتماً خطاب التسول العريض بدعواته أن لا أتعرض لنفس الموقف، وأن لا أذل بعد عز، أمام هذا المشهد الدرامي لم أتردد لحظةً في أن أعطيه مبلغاً جزيلاً من المال، يوازي قيمته الاجتماعية المزعومة، والله أعلم إن كان صادقاً أو غير ذلك».