في فيلم «شبكة اجتماعية» Social Network يظهر مارك زوكربرغ (مؤسس موقع فيسبوك) في صراع مع كثيرين من أجل تحقيق نفسه وطموحه، خصوصاً سعيه لإنجاز شيء مهم في عالم الإنترنت. يظهر الفيلم أن جُلّ من ينافسوه هم من مجايليه، مثل زملائه في الدراسة في الجامعة الذين زعموا أنه سرق فكرة الموقع منهم. لا يظهر الكبار في الفيلم باعتبارهم منافسين. في لقطة سريعة، يظهر من يمثّل بيل غيتس، المؤسس الأسطوري لشركة مايكروسوفت، لكن في صورة النموذج المُلهِم لزوكربرغ. في وقائع عالم الإنترنت، أن ثمة صراعاً خفياً للأجيال فيها. مثلاً، يجاهر زوكربرغ بأنه يسعى إلى تغيير قواعد اللعبة على الانترنت، ربما وصولاً إلى نوع مختلف من الإنترنت. وإذا تذكرنا أن هذه الشبكة مهمتها الأساسية الربط بين أجهزة الكومبيوتر، يظهر جلياً أن هذا التوجّه يسير بالشاب زوكربرغ إلى المساحة التي يتسيدها غيتس. لنعد صوغ هذه الفكرة. في مايكروسوفت، هناك نقاش واسع في الطريقة التي يجب أن تتصرف بها الشركة حيال الانترنت والشبكات الرقمية، بل ثمة صراع بين معسكرين هما «حمائم الانترنت» و «صقور ويندوز» الذين يصرّون على المراهنة على الكومبيوتر حيث تظهر قوة مايكروسوفت باحتكارها أكثر من 93 في المئة من نظم تشغيل تلك الأجهزة الذكية. يوازن غيتس بين المعسكرين، على رغم خروجه رسمياً من المسؤوليات المباشرة عن تلك الشركة. مع زيادة حضور الانترنت والشبكات، تميل الأمور تدريجاً لمصلحة التركيز على فضاءات التشبيك الإلكتروني. لا تخفي مايكروسوفت سعيها للسيطرة على الانترنت. ولا يخفي «فيسبوك» سعيه لأمر مماثل. لنترك التقنية. يصلح الشاب زوكربرغ (من مواليد 1984) أن يكون ابناً لغيتس المولود في 1955. ينطبق الأمر على شون فاننغ، مؤسس موقع «نابستر» الشهير الذي هزّ الانترنت قبل أن تتحالف شركات «الكبار» ضده وشون باركر الذي شارك في تأسيس «نابستر» و«فيسبوك» معاً. مع التداخل بين الكومبيوتر والخليوي، كما هو واضح في «آي باد»، يصبح ستيف جوبز جزءاً من المواجهة الصامتة بين الأجيال على الشبكات الرقمية. يماثل جوبز منافسه الشرس بيل غيتس عمراً، وكذلك يصعب تخيّل السيطرة على الشبكات الرقمية من دون أخذ «آي فون» و «آي باد» في الاعتبار. مرّة أخرى، في أحد أبعاد الصراع على القوة في العالم الرقمي، هناك بعد تدور فيه منافسة قوية بين الأجيال. واستطراداً، في دواخل هذه المنافسة، تُلمَس معادلة بسيطة: يحوز الأكبر سناً من المعرفة وقوّتها، ما يجعله قادراً على الاستمرار في النزاع مع الأصغر سناً الذي يفترض أنه أكثر تفوّقاً في هذه المعرفة عينها! كما الشبكة كذلك المنزل لا تبدو المنازل بعيدة من الصورة الكبيرة للصراع على النفوذ والمعرفة في الإنترنت. وليست منازل الأسر العربية بعيدة من تلك الصورة، ولو بتفاوت كبير، نظراً الى كونها دولاً نامية، ويسيطر التخلّف عليها (بالمعنى الواسع لهذا المصطلح) وبتفاوت كبير أيضاً. فعلى رغم الصورة الزاهية المرسومة في الأذهان عنه، يعاني جيل الكومبيوتر والانترنت، ومعظمه من الشباب، نوعاً خاصاً من «الظلم» الخفي الآتي من العائلة. إذ يفترض نظرياً أنهم شباب جيل أول في التعامل مع الكومبيوتر والانترنت، ويفترض أيضاً أنهم يحظون بموقع المتفوّق المتربع على عرش احتكار المعرفة الإلكترونية وأسرارها في عائلتهم، وأن تكون أجهزتها وأدواتها طوع بنانهم في أُسرهم. فعلياً، يتحقق شيء كثير من هذا، لكن هناك ما لا يتحقق أيضاً. وتدريجاً، ترتسم صورة غير مألوفة في علاقات العائلة العربية المعاصرة، فيها شيء من التنازع غير المألوف، لكنه يندرج أيضاً في إطار التنازع التقليدي بين الأجيال في العائلة. لا يتصرّف جيل الآباء على اعتباره جاهلاً بالتقنيات الرقمية، ما يفقد الجيل الأصغر سناً الكثير من تفوّقه، ويمنعه من التمتع بدلال من يملك شيئاً مهماً. قبل بضعة أجيال، حظي المراهقون والشباب (وحتى الأطفال)، ممن يجيدون القراءة والكتابة، بالكثير من الامتيازات داخل عائلاتهم، إذ جهل الآباء أسرار الأبجدية. مثلاً، سجّل الكاتب الساخر محمد مندور كثيراً من هذه الأمور في قصصه، وكذلك فعل طه حسين، وإن بطريقة أخرى. ويحوز المراهقون والشباب والأطفال الكثير من الامتيازات في أسرهم بفضل تمكّنهم من التقنيات الرقمية، لكن ليس من دون منازعة. لا يبدو دلالهم مكتملاً. لم يلقِ الكبار السلاح، بل على العكس، انغمس كثير منهم في التقنيات الرقمية إلى حدّ جعلهم في غنى عن طلب المساعدة من أبنائهم. غني عن القول أن هذا الطلب يفتح أمام الأصغر عمراً باباً للتفاوض على السلطات والامتيازات والتوازنات في الأُسرة. ويتحدث أحد الآباء الصحافيين، عن مثلث العلاقة: الأب - الطفل - الكومبيوتر. ويمازج كلامه كثير من المحبة والفخر، حين يتحدث عن دهشته عن قدرة إبنه جاد، على التعرّف إلى وظائف برامج الكومبيوتر، بمجرد مطالعة أيقوناتها، علماً بأن جاد ما زال في البدايات الأولى لتعليمه الابتدائي! «ما أن أُطلع جاد على برنامج، حتى يتفوّق عليّ... لا أعرف كيف، لكني لاحظت انه يراقب الأيقونات ويستنتج منها عمل البرنامج بطريقة لا أستطيع مجاراته فيها». النتيجة؟ أضطر الأب الى إخلاء ساحة كومبيوتر المكتب لإبنه جاد. لكن الأب لم يُلقِ السلاح تماماً، إذ التجأ الى الكومبيوتر المحمول، كما يتابع تطوير معرفته تقنياً بعوالم الكومبيوتر. لم يكن حديث جارتي هدى بعيداً عن ذلك. ساعدتها الظروف على تخطي التنافس بين الأبناء لأن سنوات كثيرة فصلت بين الصغير هاني والكبير يوسف. ومع الكومبيوتر، لا تبدو الصورة هادئة في تلك العائلة التي تقيم في أحد أحياء الطبقة المتوسطة في صيدا في جنوب لبنان. لجأ هاني الى حيل كثيرة، أشهرها لعب دور الضحية (مع قليل من الدموع المعروفة، والكثير من العناد المشهور أيضاً)، لإجبار يوسف على تعليمه الكومبيوتر منذ صغره، ثم على مشاركته الألعاب الإلكترونية. وتطوّر الأمر. وطلب هاني بريداً إلكترونياً خاصاً به. ثم وصل الى النقطة المتوقّعة، فطلب كومبيوتراً محمولاً خاصاً به. لكن الشاب الجامعي يوسف، كان في خضم مواجهة مع أبيه، الذي يتقن استخدام الكومبيوتر أيضاً. وبعد أن حصل هاني على الكومبيوتر المحمول، انتقل النزاع بين الأخوين إلى الإنترنت وخطوطها، خصوصاً أن الأم هدى طلبت من يوسف أن «يراقب» هاني المقترب من أوائل مراهقته. تعقّد الموقف أكثر مع دخول الأخت الصغيرة آلاء على الخط. ولأنها البنت الوحيدة، تضمن آلاء وقوف الأم الى صفّها بثبات. وبات على الشاب يوسف، وهو أول من نما مع وجود بديهي لجهاز الأتاري ثم الكومبيوتر والانترنت، أن يواجه الأب غير الراغب في التسليم بتفوق ابنه عليه، وأخيه الصغير هاني الذي يسعى إلى أن يكون أول مراهق للإنترنت بمعطياتها كافة، وأخته الصغيرة آلاء، التي يتحدث يوسف عنها، مشيراً إلى أنها تستعمل الأيقونات في التعرّف إلى أشياء لا يتوقع أن تعرفها في البرامج التي يرشدها إليها، ولا يُخفي دهشته من هذه القدرة أيضاً. وفي المنزل تلفزيون رقمي قد يصبح في غضون سنوات قليلة جزءاً من لعبة الصراع العائلي. وفي المنزل أكثر من خليوي، ما زال الصراع في شأنها طيّ المستقبل. - بريطانيا: علاقات افتراضية تبدأ «حرصاً» على الأولاد وتنتهي «إدماناً» على الشبكة العنكبوتية - منافسة محتدمة بين لبنانيين وأبنائهم على استخدام الإنترنت في المنزل؟ - في مصر أداة لتعميق الفجوة ورأبها أيضاً! - ضبط الوصول إلى «الشبكة» صعب جداً - التكنولوجيا تقتحم المقيل وحميمياته - الكومبيوتر مؤذٍ ... تحايلوا عليه