محبس آخر غير المحبسين الذهب أو الفضة أو الألماس، قد ينتظر العريس إن هو فكّر أو خطط أو دبّر أو أقدم على أن يفسخ الخطبة من دون سبب واضح أو عذر ثاقب أو إتفاق مشترك. فإن كان رافع راية «خطبة تفوت ولا حد يموت» حيث صداقة مقننة وفرصة ذهبية للخروج مع فتاة من دون منغصات إجتماعية أو تدخّلات أسرية، أو كان يخطط لإخضاع الخطيبة لإختبارات قياسية وإمتحانات معيارية، فإن رسبت فالفسخ هو الحل حيث لا مؤخّر صداق أو نفقة متعة، أو كان مندفعاً تحت ضغط مشاعر عاطفية آنية وأحاسيس رومنطيقية ضارية، ثم استيقظ ذات صباح ليجدها قد هدأت ونيرانها قد خمدت، فعليه أن يفكر مرتين وثلاثاً وأربعاً قبل أن يتفوّه بعبارة «عمي يشرفني طلب يد إبنتك»! يد الإبنة التي يزين بنصرها محبس يُشهر إنها باتت محجوزة، وإن ظل الحجز قيد التأكيد وينتظر التوثيق، قد تشهد ثورة في عالم التقنين. الثورة التي تثير قدراً كبيراً من الجدل بين مؤيّد ومعارض وساخر وممتنع عن التعليق، فجّرتها عضو لجنة الشؤون التشريعية والدستورية في مجلس النواب الدكتورة عبلة الهواري قبل أيام. فقد فوجئ المصريون المتابعون أخبار المجلس بنص غريب فريد ضمن مشروع قانون جديد يجهّز ليعرض عليه، ضمن إعادة صوغ لقوانين الأسرة. النص الغريب جاء تحت عنوان «تقنين الخطوبة»، وتشرحه صاحبته الدكتورة الهواري بقولها إنه يشتمل التفاصيل المتعلّقة بالخطوبة بدءاً بالتعريف بها، ووضع ضوابط لها، والمعايير التي يجب توافرها لتكون خطوبة سليمة، وتحديد حد أقصى لها مدته عام واحد، مع قواعد للفسخ من ردّ شبكة وهدايا، وفرض عقوبات وغرامات مالية إن ثبت وقوع ضرر على الخطيبة أو الخطيب، وذلك حسب مقدار الضرر. مقدار هائل من الهرج ومثله من المرج دبّ في الشارع المصري ما أن وصلت إلى مسامعه حكاية «تقنين الخطوبة». «قانون بنات الناس مش لعبة»، و«ماذا عن قانون قراءة الفاتحة؟»، «وما عقوبة عدم الاستظراف؟» و «بالنسبة إلى عقوبة الاستلطاف، هل هي جناية أم جنحة؟». أسئلة كثيرة يطرحها المصريون هذه الأيام في ضوء قانون تنظيم الخطبة المقترح. وبعضهم يقدّم مناشدات ومطالبات، منها تأجيل مناقشة قانون الخطوبة وطرح مشروع قانون العزائم في رمضان، أو ضرورة إضافة بند يحدد مسؤولية شراء الثريات والسجاد. الشعب المنفجر غيظاً أو غضباً أو تعجّباً مال إلى السخرية والتنكيت فيما يتعلّق بتقنين الخطوبة. وهو الميل الذي تغاضت عنه النائب الهواري معلنة إن أولويتها هي ضمان الحقوق ومنع التلاعب بالعائلات ووقف مهزلة استسهال الخطوبة، وذلك بوجود رادع يضمن الالتزام الكامل. لكن الالتزام الكامل الذي تراه النائب متحققاً عبر القانون يبدو أقرب إلى الحلم أو أضغاثه. فمصر مثلاً لديها «ترسانة» قوانين كاملة شاملة عامرة خاصة بقيادة السيارات تبدأ بعقوبة إطلاق آلات التنبيه وتمر بمخالفات الإنتظار الخاطئ والسير عكس الاتجاه، وتنتهي بمخالفات حالة السيارات وتعدّي السرعات وغيرها، لكنها غائبة على التطبيق عصية على التنفيذ. يسأل إمام العابد (52 سنة) عن سر قناعة الدكتور الهواري بأن القانون سيجعل المخطوبين يرتدعون ويقول: «لو كانت القوانين رادعة أو تنفّذ من الأصل لما وصلنا إلى ما نحن عليه من فوضى وعشوائية، فما بالك بقانون غريب خاص بالخطوبة؟». وبعيداً من كون مقترح القانون غريباً أو غير قابل للتنفيذ أو غير خاضع للتفعيل، ترى مجموعة من الشباب الفكرة في حد ذاتها أقرب ما تكون إلى الخيال غير العلمي والاعتداء على الحريات الشخصية. «بعد مقترحات بمراقبة فايسبوك أو تحصيل رسوم على استخدامه ومراقبة محتوى الدردشة وغيرها، لم يعد مستغرباً أن يقترح أحدهم في مجلس النواب قانوناً لتنظيم دخول الحمام أو الخروج منه. فكرة الحرية الشخصية أصلاً غير واردة في أذهانهم». ويرد آخر: «لا أبداً. هم (النواب) يعرفون تماماً أن مسألة الخطبة هذه أصبحت آخر ما يفكر فيه بعضهم. فالعلاقات موجودة خارج الإطار الرسمي، ومن ينكر ذلك إنما يدفن رأسه في الرمل». وبين دفن الرأس في الرمل والتحليق في فضاء «إعتراف الدولة بمرحلة الخطوبة» وسير الحياة في شكل عادي، تمضي التصريحات قدماً بالنائب صاحبة المشروع، فتدافع عن مقترحها بقولها إن الخطوبة أمر بالغ الأهمية، وإن على الشاب حين اتخاذ قرار «دخول بيت» الفتاة (طلب يدها) أن يكون على علم بأن المسألة ليست لهواً لعام أو عامين ثم يفسخ الخطبة ليبحث عن أخرى. وسيلة أخرى لقياس ردّ فعل المصريين تجاه هذا المقترح العجيب تمثّل في استطلاع للرأي أجراه موقع «اليوم السابع» الخبري. فأجمع 70 في المئة من القراء على رفض تقنين الخطبة، ووافق على الفكرة 29 في المئة، في حين قال 3 في المئة إنهم لم يسمعوا عن الموضوع من الأصل. وبينما الأيام تمضي قدماً بالنائب وهي تخطط لمشروعها الهادف إلى الحفاظ على «بنات العائلات»، وترويع الخطاب بيد القانون الطائلة إن هم فكروا في فسخ الخطبة من دون سبب مقنع أو اللجوء إلى الخطبة كبديل لمصادقة الفتيات، وتوقيع شروط جزائية إن طالت فترة الخطبة أكثر من عام، تتعالى الأصوات المطالبة بتعميم الاستفادة من البرلمان وملكاته، والنواب وإبداعاتهم. طلب مقدّم عبر تغريدة تقول صاحبتها: «على البرلمان أن يخبرنا فوراً ومن دون تأجيل: من السبب في الحب؟ القلب أم العين؟»، وآخر يطالب بتحديد نوع الخطوبة وإن كانت تشمل «البوس» (القبلات) أو من دونها، وثالث يطالب بوضع شرط ضمن القانون المقترح يمنع الخطيبة من وضع مساحيق التجميل أثناء فترة الخطوبة ومعاقبتها بنصوص الغش التجاري. ولأن المساواة في القانون سمة المجتمعات المتحضّرة، فقد طالب بعضهم بتوقيع أقصى عقوبة على الفتيات اللاتي يثبت انخراطهن في خطوبات متكررة ثم فسخها، بهدف الاحتفاظ بالهدايا والشبكة وما تيسّر.