يستحق فيلم «الشوق» لمخرجه «خالد الحجر»، الحاصل على ذهبية مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الرابع والثلاثين، في تقديري، جائزة أسوأ فيلم مصري؛ لأسباب كثيرة ليس من بينها أنه فيلم سوداوي وقاتم يقدم شخصيات انهزامية مصيرها مسدود؛ فالسينما المصرية على مدار تاريخها قدمت مئات من الأفلام الأشد قتامة مثل «البريء»، و «بداية ونهاية»، و «الحرام»، و «القاهرة 30»، و «سرقات صيفية»، و «الأبواب المغلقة»، ولا تزال السينما المصرية تنتج أفلاماً أكثر سوداوية أحدثها فيلم «بنتين من مصر» للمخرج «محمد أمين» 2010، مع ذلك تظل الأفلام السابقة الذكر علامات مهمة في تاريخ السينما المصرية والعربية لما تتمتع به من مستوى فني وفكري راق. سعادة ما... أما فيلم «الشوق» ففيلم لا يحرك المشاعر أو الوجدان، فيلم بارد على رغم سوداويته ومأسويته، إنه عمل تجاري رديء وميلودراما فجة، ليس فيه شيء صادم أو جريء، وليس صحيحاً أن سبب الهجوم عليه كونه نتاج التعاون المشترك مع فرنسا وحصوله على دعم من جهات كثيرة، أو لأنه يُظهر الوجه القبيح من مصر ويُسيء إلى سمعتها، كما زعم البعض، لأن هناك أفلاماً مصرية كثيرة أكثر جرأة وواقعية ومأسوية أُنتجت من طريق التعاون السينمائي المشترك وحطمت التابوهات الثلاثة للجنس والدين والسياسة وتناولت العشوائيات والفقر والمرض الذي يُعانيه أفراد الشعب المصري، لكنها جاءت على مستوى فني عال وحققت متعة بصرية وفكرية، ما أهلها لأن تحصد الكثير من الجوائز المصرية والعربية والدولية مثل أفلام يوسف شاهين ويسري نصرالله وعاطف حتاتة. يتحدث الشريط السينمائي الجديد للمخرج خالد الحجر وكاتب السيناريو سيد رجب عن بعض مشاكل المجتمع مثل الفقر والمرض والاحتياج الجنسي. وهي مشاكل لا ننكر وجودها في شكل أكثر قسوة ووطأة على أرض الواقع المصري، لكن خطأ فيلم «الشوق» أنه يتناولها عبر حبكة غير محكمة وسيناريو ضعيف، شخصياته سطحية مفتعلة متشابهة في أغلبها غير مقنعة. وهي تتصرف وفق منطق الكاتب والمخرج وليس وفق منطقها الخاص. فمثلاً الفتاتان «شوق» و «عواطف» اللتان جسدت دوريهما روبي وشقيقتها كوكي، تعلمان مدى خطورة مرض أخيهما المُصاب بفشل كلوي ومع ذلك ترقصان، وتُغنيان في سعادة وبهجة. وحتى الأم «فاطمة» لديها قدرة على أن تتناول طعامها بشهية، على أن تضحك وتحكي وتبتسم في سعادة أثناء وجودها في القاهرة للتسول وكأنها لم تترك وراءها في الأسكندرية ابناً يحتضر، ويتمزق من الألم؟ ثم نراها في مشهد آخر مفتعل لا يخضع لأي منطق عندما تسافر إلى طنطا مقر عائلتها التي هربت منهم للزواج من حبيبها، وها هي تعود إليهم بعد غياب سنوات لتطلب مساعدتهم في علاج ابنها. لكنها بمجرد أن تلمح أختها تهرب بسرعة على رغم أن الأخت ظلت تجري وراءها وتنادي عليها بلهفة وفرح. تهرب «فاطمة» من أختها خجلاً ثم تفضل أن تقوم بالتسول فهل يُصبح التسول والفضيحة أمام العالم أكثر احتراماً للذات من شماتة الأهل؟ إلى جانب ذلك فإن أداء سوسن بدر، الحاصلة على جائزة أحسن ممثلة مناصفة مع إيزابيل هوبير، بطلة الفيلم الفرنسي «كوباكابانا» جاء مسرحياً ومبالغاً فيه، كما أنها تأثرت كثيراً بالشخصية التي قدمتها في مسلسل «الرحايا» منذ عامين. وجاءت ملابس ابنتيها وتحديداً «روبي» غير مناسبة للحارة الشعبية، وتميز أداء الأختين بالفتور مقارنة بالحالة النفسية والضغوط المادية والمجتمعية التي يمران بها. ضد الجنسين «الشوق» فيلم ضد الرجال والنساء على حد سواء على رغم مزاعم صنّاعه بأنه ينتصر للمرأة. شخصيات الرجال بلا هوية أو شخصية، جميعهم عاجزون انتهازيون ليس لديهم أي قدر من الإنسانية، فأحدهم رائحته «كيروسين» مما يجعل زوجته تنفر منه وترفض إقامة علاقة جنسية معه، في حين تُغوي مراهقاً وترتكب الخطيئة معه، وآخر أصبح عاجزاً جنسياً بعد إصابته في الحرب، وثالث فاقد الوعي معظم الوقت جراء السكر، وآخر متعلم لكنه لا يمتلك تسديد نفقات أسرته ولا يتمكن من إعالتها، وشباب آخر ضائع ليس لديه القدرة على تحقيق أحلامه وعاجز عن امتلاك زمام أموره. أما النساء فيتسمن بالسيطرة والقوة لكنها قوة قهرية سلبية فاسدة منحرفة. جميع النماذج إما عاهرات أو متسولات، أو منحرفات، أو عاملات نظافة أمام المرحاض العمومي تأكل بنهم وشراهة بشعة حتى تكاد تنفجر، معظمهن تُقمن علاقات غير شرعية وتُعانين من الكبت الجنسي. اتسم تصوير الأحداث وحياة الناس البسطاء في المنطقة الشعبية بعدم الواقعية، واستخدم الجنس بلا مبرر، وأتت الموسيقى زاعقة معظم الوقت غير موظفة فنياً. وجاء الفيلم مثقلاً بالإيقاع البطيء الناجم عن التكرار والمط والتطويل الذي لم يكن متماشياً مع الأحداث أو الشخصيات. وفيه مشاهد زائدة تتجاوز نصف الساعة على الأقل، منها تكرار مشاهد التسول في شكل ممل فج، إذ لم ينجح المخرج في أن يستفيد من حيل التسول وتعبيرات وجوه المتسولين الحقيقين، إلى جانب تكرار مشاهد الضرب وعدم إتقانها فجاءت مفتعلة هزيلة، وزادت جرعة ضرب البطلة لرأسها في الجدران بطريقة مقززة وغير فنية الى درجة أن إحدى المشاهدات أُغمي عليها في قاعة العرض. كما أن المُشاهد كان يتوقع معظم الأحداث قبل وقوعها، مثل وفاة الابن وصدمة الأم عقب عودتها من رحلة التسول، وفضيحة البنات، وقتل الأم لنفسها وأشياء أخرى كثيرة. لكل ما سبق جاء الفيلم مباشراً لا يحمل قيمة ثقافية، أو فكرية، لا يُثير تساؤلاً، خالياً من أي رمزية أو جماليات فنية. حتى التصوير لم يكن فيه شيء مبهر أو غير عادي، بالعكس كان مستواه ضعيفاً، ولم يتمكن مدير التصوير الأجنبي نيستور كالفو الذي استعان به المخرج من إضافة أي لمسة فنية يكشف بها جماليات القبح القابع في تلك المناطق العشوائية أو ذلك الحي الشعبي في الإسكندرية، في حين أن هناك مديري تصوير مصريين نجحوا في إعادة إنتاج جماليات هذا القبح في شكل رائع فنياً وجمالياً.