باتت فتاوى الشيوخ على الشاشات قنبلة موقوتة تهدد المجتمع المصري المفخخ بالأفكار المتطرفة والطائفية التي تسربت إليه على مدار 40 عاماً، وما زالت أبواق التطرف تتسرب إليه خلسة وعلناً عبر الشاشات لتزكي توتراً خامداً تحت الرماد، في ظل أجواء عصيبة تعيشها مصر وعقب شهر واحد فقط من سلسلة تفجيرات مروعة استهدفت كنيستين مصريتين خلال الاحتفال بأعياد القيامة. وفجر وكيل وزارة الأوقاف السابق الدكتور سالم عبد الجليل، موجات من اللغط والغضب عبر تصريحاته الطائفية خلال حلقة برنامج «المسلمون يتساءلون» على شاشة «المحور»، إذ استهلها بتفسير إحدى الآيات القرآنية قائلاً إن عقيدة اليهود والنصارى فاسدة وضالة، لكن لهم لدينا التعايش والمحبّة والمعاملة الحسنة، بل واتهم المشايخ الذين يفتون بأن اليهود والمسيحيين مؤمنون بأنهم مضللون. وتم تداول فيديو الحلقة في شكل واسع وسط استنكار على المستوى الرسمي والشعبي، إذ أكدت وزارة الأوقاف في بيان صحافي أن الدكتور سالم عبدالجليل استقال من منصبه في الوزراة وانقطعت علاقته بها، فيما قرر وزير الأوقاف الدكتور مختار جمعة منع صعوده على المنبر ما لم يصحح ما أثارته تصريحاته من قلق وتوتر، ويتعهد صراحة بعدم التعرض لعقائد الآخرين. وأصدر عبدالجليل بياناً حول أزمته الأخيرة قال فيه إن ما صدر منه، كان في سياق تفسيره لسورة آل عمران، ضمن تفسير للقرآن بدأ منذ أكثر من سنة، وتحديداً لقول الله تعالى فى سورة آل عمران: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ 0لْإِسْلَٰامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى 0لآخِرَةِ مِنَ 0لْخَٰسِرِينَ». وأضاف عبدالجليل: «وإذ إنّ البعض اعتبر فيه جرحاً لمشاعر الإخوة المسيحيين، فأنا عن جرح المشاعر أعتذر، وأكرّر تأكيدي ما أكّدتُه في الحلقة المشار إليها، الحكم الشرعي بفساد عقيدة غير المسلمين - في تصورنا - كما أن عقيدتنا فاسدة في تصورهم، لا يعني استحلال الدم أو العرض أو المال بأي حال من الأحوال، وقلت هذا على الهواء وأكّدته بالفعل منذ أسابيع حين عزّيت على الهواء قسيساً كان ضيفاً على القناة يوم التفجيرات الإرهابية الآثمة. وأصدرت قناة «المحور» بياناً عاجلاً أعلنت خلاله إنهاء التعاقد مع عبدالجليل مع الإبقاء على برنامج «المسلمون يتساءلون» وتقدمت القناة باعتذار صريح عما جاء على لسانه. واستنكر رئيس قناة «المحور» أشرف عبدالمنعم ما قاله عبدالجليل خلال تصريحه إلى «الحياة» وأضاف: «ثمة أمور لا ينبغي الخوض فيها لكونها تتسبب في مشكلات ولغط كبير، واستغل عبدالجليل منبراً إعلامياً للتراشق مع الآخرين حول العقيدة وهو أمر في غير محله». وأوضح عبدالمنعم: «مثلما نرفض تطرف بعض القساوسة وبينهم القس زكريا بطرس الذي يشهر بالمسلمين عبر الشاشات، نرفض أيضاً أن يصدر ذلك عن مشايخ مسلمين، فلا يحق لأحد التشكيك في عقيدة الآخر، بخاصة في ظل الأجواء المتوترة السائدة حالياً». وحول إنهاء التعاقد مع عبدالجليل قال رئيس قناة «المحور»: «لدينا مجموعة ضوابط وقواعد كان يقتضي مراعاتها والالتزام بها، لكنه خرج عنها إعلامياً، ولا نناقشه في وجهة نظره الدينية، ولكن يعنينا التأكيد على عدم لياقة الحديث في تلك الأمور عبر منبر يفترض به أنه يتبنى كل الآراء، رافضين أن يكون البرنامج الديني وسيلة للتراشق مع عقائد البشر». وأضاف: «اتخذنا قرار وقف عبدالجليل حتى نهدئ من روع الجمهور الغاضب، لا سيما الإخوة المسيحين، ونؤكد أن القناة بعيدة تماماً من الاتهام بالتطرف الديني، لا سيما أننا نحاربه دائماً، وهي الشاشة الوحيدة التي تقدم برنامج «الصديقان» الذي يقدمه شيخ وقسيس». وهل ثمة نية لدى القناة لإعادة الشيخ سالم لتقديم البرنامج مستقبلاً بخاصة بعدما أعلن اعتذاره على الملأ، فقال: «ثمة أمور لا يجدي معها الاعتذار، وليس مقبولاً أن تصدر عنه تلك التصريحات ثم يعود ليطل عبر القناة مرة أخرى، لاسيما أن حديثه بمثابة جرح عميق في المجتمع المصري، له الاحترام والتقدير ولكن لكل جواد كبوة». وأوضح أن القناة استقرت على اختيار الداعية الإسلامي شريف شحاته لتقديم برنامج «المسلمون يتساءلون» في شكل موقت حتى تنتهي التحقيقات في الأمر. وشدد على أن «القناة ضد أي تطرف وليست منبراً لحديث عقائدي، أو محفلاً علمياً لتفسير القرآن أو لنشر الإسلام أو التبشير بالمسيحية عبر شاشتها، بل نتطرق إلى عنصرين مهمين في هذه الأمة عليهما أن يتعايشا سوية باحثين عن المساحات المشتركة بين العقيدتين، كما أن هذا البرنامج يفترض به مناقشة الفتاوى والأمور الفقهية ولا شأن له بالعقيدة أو التشكيك بها».