حضر الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون أمس، مراسم إحياء ذكرى انتصار الحلفاء الغربيين في الحرب العالمية الثانية في أوروبا. وشارك ماكرون الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في إحياء المراسم التي أقيمت عند قوس النصر في الذكرى الثانية والسبعين للانتصار على ألمانيا النازية عام 1945. وهذه أول مناسبة رسمية يحضرها ماكرون كرئيس منتخب، بعد أقل من 24 ساعة على إعلان فوزه بنسبة 66 في المئة من الأصوات على منافسته زعيمة «الجبهة الوطنية الفرنسية» مارين لوبن. أتى ذلك غداة مشاركة ماكرون في احتفالات بفوزه أقيمت في ساحة متحف اللوفر، وأكد خلالها أنه سيعمل على معالجة الانقسامات العميقة التي أدت إلى نتائج كبيرة لأحزاب اليمين المتطرف في فرنسا وإنه سيسعى إلى تقريب المؤسسات الأوروبية لشعوب أوروبا. وفور إعلان فوزه توالت التهاني من الزعماء حول العالم، وهنأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ماكرون على فوزه وقال إنه يتطلع للعمل معه. وكتب ترامب في حسابه على «تويتر»: «تهانينا لإيمانويل ماكرون على فوزه الكبير اليوم برئاسة فرنسا. أتطلع بشدة للعمل معه». كذلك أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعث ببرقية تهنئة للرئيس الفرنسي المنتخب وأبلغه أن روسيا مستعدة للتعاون البناء في ما يتعلق بالقضايا الثنائية والعالمية. ونقل الكرملين عن بوتين قوله إن «مواطني فرنسا يثقون فيك لقيادة البلاد في وقت صعب لأوروبا وللعالم أجمع. تنامي تهديدات الإرهاب والتطرف يرافقها تصعيد في الصراعات المحلية وزعزعة استقرار مناطق بكاملها». وزاد بوتين أن «في هذه الظروف، من المهم بشكل خاص التغلب على انعدام الثقة المتبادل وتوحيد الجهود لضمان الاستقرار والأمن الدوليين». وأوردت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن الرئيس الصيني شي جينبينغ هنأ ماكرون على فوزه وقال إن الصين تعتزم تعزيز العلاقات بين البلدين. ونقلت الوكالة عن شي قوله إن الصين تريد العمل مع فرنسا من أجل تعزيز الشراكة الاستراتيجية الفرنسية- الصينية. وتحدث الرئيس الفرنسي المنتخب هاتفياً مع المستشارة الألمانية أنغيلا مركل ووعدها بزيارة برلين قريباً كما ناقش خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي. وقال مساعدون لماكرون إنه تحدث أيضاً مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو. وسيلعب ماكرون دوراً مهماً في مفاوضات بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي. وقال ناطق باسم رئيسة الوزراء البريطانية إن ماي هنأته بحرارة وقالت إنها تتطلع للعمل معه في شأن مجموعة من القضايا المشتركة. وأضاف الناطق: «ناقش الزعيمان لفترة وجيزة خروج بريطانيا وأكدت رئيسة الوزراء مجدداً أن بريطانيا تريد شراكة قوية مع الاتحاد الأوروبي». وتابع الناطق أن «رئيسة الوزراء والرئيس المنتخب ماكرون يتطلعان إلى الاجتماع وإجراء مناقشات في قمتي حلف شمال الأطلسي ومجموعة السبع المقبلتين». وقال جان بيزاني فيري المستشار الاقتصادي للرئيس الفرنسي المنتخب، إن ماكرون سيكون صارماً في المفاوضات في شأن شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلا أنه لن يسعى لمعاقبة لندن. ورأى فيري أن ما من أحد يريد انفصالاً صعباً لبريطانيا يقطع أواصر العلاقات تماماً بينها وبين بقية أعضاء الاتحاد الأوروبي بمجرد انسحابها منه. وأضاف أن هناك مصلحة متبادلة في الحفاظ على الروابط الاقتصادية والأمنية. وقال لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): «في الوقت ذاته لدينا مصالح متشعبة في ما يتعلق ببعض نواحي المفاوضات. ومن ثم ستكون هناك مفاوضات صعبة وسيكون صارماً». من جهة أخرى، أعلنت الشرطة الفرنسية أمس، أنها احتجزت 141 شخصاً في باريس بعد أعمال شغب وقعت خلال الليل عقب إعلان فوز ماكرون بالانتخابات الرئاسية. ووجهت السلطات إلى المعتقلين في حي منيلمونتون شمال شرقي باريس تهماً تتراوح بين رشق الشرطة بمقذوفات وإتلاف ممتلكات. وكان المتظاهرون يحتجون ضد ماكرون الذي ينتقده كثيرون في أقصى اليسار بصفته عضواً في نخبة لا تتمتع بالصدقية وأسيرة للرأسمالية العالمية. خطاب الفوز: فرض الأخلاقيات في الحياة العامة في أول خطاب بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية ألقاه في ساحة اللوفر أمام أنصاره ليل الأحد– الإثنين، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: «انتصرتم، انتصرت فرنسا وما فعلناه كان غير مسبوق وكل العالم قال لنا إنه مستحيل، لكنهم لا يعرفون فرنسا. شكراً لثقتكم». أضاف: «ثقتكم تحتم علي ألا أخذلكم، وأن أكون على مستوى تطلعاتكم خلال السنوات الخمس المقبلة. أعرف أن هناك اختلافات لكني أحترمها. وأود أن أقدم كلمة لمن صوتوا لمارين لوبن أنهم عبروا عن غضب وضياع وعن قناعات في بعض الأحيان، لكني سأبذل قصارى جهدي مستقبلاً لئلا يكون لديهم مبرر للتصويت لمصلحة التطرف خلال السنوات الخمس المقبلة». وزاد: «أن المهمة الملقاة على عاتقنا ضخمة وتبدأ غداً. وهي تقضي بفرض الأخلاقية على الحياة العامة والدفاع عن حيويتنا الديموقراطية وتعزيز اقتصادنا وإنشاء غالبية حقيقية وقوية، أي غالبية تغيير. هذا ما تتطلع إليه البلاد وما تستحقه وهذا ما انتظره منكم في غضون ستة أسابيع لأني ما زلت في حاجة إليكم». وقال: «لن نرضخ لشيء لن نرضخ للخوف ولا للانقسام ولن نرضخ للكذب ولا للسخرية». وأكد أنه يعرف ما هو مدين به لمؤيديه ورفاق دربه وأصدقائه والمقربين منه وأسرته، لكن «الأمور ليست سهلة دائماً». وتعهد بحماية الفرنسيين في وجه التهديدات وبأن يحارب لأجلهم الجمود وعدم الفاعلية. وأضاف: «في ساحة اللوفر ابتهاج واحتفال وطاقة الشعب الفرنسي. من هذا المكان ينطلق التاريخ في فرنسا. الثورة الفرنسية. الجرأة التي يمثلها هذا المكان». وتابع: «أوروبا والعالم ينظرون إلينا والجميع يريد منا أن ندافع عن روح الأنوار التي هُددت من كل مكان. نحن ندافع عن الحريات وسنحمي التطلعات ونحمل الآمال. لعالم أكثر يقينا وللتضامن. عدالة أكثر وبيئة أفضل». وزاد: «سأعمل على إعطاء كل شخص مكانه في العمل وإعادة بناء أوروبا وإعادة استتباب الأمن لكل الفرنسيين والمهمة التي تنتظرنا جسيمة، لقد فزنا بحق يحتم علينا الجرأة، وسنواصل التحلي بهذه الجرأة، لأن أوروبا والعالم ينتظرون منا أن تكون فرنسا دوماً هي التي عرفوها». وأكد أنه سيخدم الفرنسيين بتواضع وقوة ومحبة، مشيراً إلى أن شعاره سيكون «الأخوة والمساواة والعدالة». وقال أيضاً: «الشجاعة دوماً ستحملني لحمايتكم ضد التهديدات وسأناضل ضد الأكاذيب». وتابع: «أقول للجميع إن فرنسا ستكون في الصفوف الأولى لمكافحة الإرهاب على أرضها وفي إطار العمل الدولي، وسنخوض هذه الحرب مهما طالت دون إظهار أي ضعف». وأضاف: «سأدافع عن فرنسا وعن مصالحها الحيوية وصورتها ورسالتها، وسأدافع عن أوروبا والمصير المشترك الذي اختارته الشعوب في قارتنا، سنعمل على استعادة الروابط بين أوروبا وشعوبها، وأقول لقادة العالم إن فرنسا ستكون حاضرة ومتمسكة بالسلام وبتوازن القوى وبالتعاون الدولي وباحترام التعهدات في مجال التنمية ومكافحة الاحتباس الحراري». كما وعد بالعمل على حماية الضعفاء وتوحيد الفرنسيين ومكافحة كل أشكال عدم المساواة والتمييز واتخاذ إجراءات صارمة على الصعيد الأمني، لافتاً إلى إدراكه حال الغضب والقلق التي عبر عنها كثير من المواطنين. وتوجه ماكرون بالشكر لكل الفرنسيين الذين انتخبوه، وكذلك للرئيس فرنسوا هولاند لجهوده من أجل فرنسا طوال ولايته الرئاسية في السنوات الخمس الماضية. وقال ماكرون: «انتخاب الفرنسيين لي مسؤولية كبيرة»، مؤكداً أنه سيخدم كل مواطني فرنسا أياً تكن اختياراتهم في مراكز الاقتراع. وتابع: «لم أستخدم الأشياء التي لعب بها البعض، والآن أخص بالذكر مارين لوبن، وأحترم الاختلاف، وقد رأيت الغضب والشكوك في وجه كثير من الفرنسيين. وأكد أنه سيواجه جميع أنواع العنصرية لضمان وحدة فرنسا التي أوضح أنها وريثة رسالة وتاريخ إنساني كبير يجب نقله إلى المستقبل. وختم: «نحن نفتح صفحة جديدة في التاريخ هذا اليوم، وسنواصل التعددية والديموقراطية التي ستكون هدفنا منذ اليوم الأول، وسأكد على احترام كل الثقافات».