جاوزت الفنانة الشعبية رائدة فن المواويل في مصر جمالات شيحة عقدها الثامن (83 سنة) بما يفرضه من فتور في القوة وضعف في الجسد، وعلى رغم ذلك لا تزال تمارس الغناء بعنفوانها الأول مكتسبة جمهوراً جديداً من الشباب بخلاف جمهورها التقليدي الأرستقراطي الذي يقدر الفن الأصيل. بدأت شيحة تلاحظ توافد ذلك الجمهور الجديد في حفلاتها منذ ثلاث سنوات، فعزز ذلك لديها قراراً بمواصلة الغناء مهما وهن الجسد، لا عن رغبة في المال ولكن «من أجل الحفاظ على أصالة الفن الشعبي الذي كاد ينقرض بموت الكثير من رواده الأوائل... ومن أجل الذوق» كما تقول. بدت شيحة في حوارها مع «الحياة» قلقة على مستقبل الغناء الشعبي في ظل ما تشهده ساحته أخيراً من انتشار لأغاني «المهرجانات» (نمط شبابي يعمد إلى الخلط بين الراب والموسيقي الإلكترونية بصيغة شعبية) كسبيل لسد فراغ خلفه غياب الفن الشعبي الأصيل، قائلة: «لم يعوض أحد غياب فنانات شعبيات مثل خضرة محمد خضر وفاطمة سرحان لذا سأظل أغني حتى يقبض الله روحي». في المقابل، اعتبرت شيحة إعادة ترديد مطربات شابات أغاني فولكلورية شعبية منها «على ورق الفل دلعني» التي أدتها دينا الوديدي ودنيا مسعود، والأخيرة أدت أيضاً أغنية «بتناديني تاني ليه؟» بلهجة صعيدية متقنة، «نوعاً من الحفاظ على التراث الشعبي، لكنه غير كافٍ». تلقي رائدة فن المواويل المسؤولية كاملة في حفظ التراث وجمعه على الدولة التي كان لها الفضل سابقاً في إثرائه وبدأ التدهور مع انسحابها، عن ذلك تذكر شيحة بدايتها في فرقة النيل. «النيل» أو كما تعرف ب «فرقة الفلاحين» أسسها أحد أهم رواد الفن الشعبي زكريا الحجاوي عام 1955 بتكليف من الروائي المصري يحيى حقي الذي كان آنذاك مدير مصلحة الفنون التابعة لوزارة الإرشاد القومي (الثقافة حالياً)، لتمثيل مصر في الصين ضمن اتفاق تبادل ثقافي بين البلدين. تقول شيحة: «طاف الحجاوي الموالد على مستوى مصر لسنتين بحثاً عن مطربين وعازفين شعبيين، وقتذاك كنت وأختي رضا نغني في الموالد في محافظة الشرقية (شرق الدلتا)، ضمنا إلى فرقته وانتقلنا إلى القاهرة». حرص الحجاوي على بقاء هيئة مطربي فرقته الشعبية كما هي بما يتسق مع ما تقدمه الفرقة وهدفها، توضح شيحة: «حافظ مؤسس الفرقة على لهجتنا وزيّنا كما هو، مركزاً اهتمامه على الأغنيات بحيث تغطي مناسبات عدة بين المناسبات الاجتماعية كالزفاف والحج، والوطنية كنكسة حزيران (يونيو) 1967. أثناء حرب الاستنزاف سافرنا إلى مدن السويس وبورسعيد والإسماعيلية والعريش لنغني للجنود والضرب فوق رؤوسنا». وتضيف: مثّلنا مصر في أكثر من دولة من تونس حتى اليابان واستطعنا أن ننقل صورة جيدة عن ألوان الفلكلور المصري، لكن الدولة ضحت بكل ذلك عندما سحبت يدها من دعم هذا الفن وتركته للجهود الفردية، ما أدى إلى تشتّت الفرقة وتهديد ذلك الفن بوجه عام». وتشير شيحة إلى مساهمات إيجابية لبعض الأعمال الدرامية أخيراً لاسترجاع ذلك الفن ومنها مسلسل «أفراح القبة» (إنتاج عام 2016) الذي قدم بعض الأغنيات مثل «غار عليكي» لفاطمة سرحان. ورثت جمالات شيحة عشق الغناء الذي تعتبره بمثابة «نشر للرحمة في قلوب الناس» عن والديها منذ عمر 12 سنة، فحفظت عنهما بعض المقاطع الغنائية لفايزة أحمد وعبدالحليم حافظ إلى أن شاركت هي وشقيقتها في الموالد ومنها إلى القاهرة، حيث عرفهما الجمهور بأعمال عدة أشهرها «فلاحة من الشرقية، آخر العنقود، بلد الأهرام. تحضّر رائدة فن المواويل لعمل جديد مع المطرب علي الحجار، وتقول: «اتصل بي الحجار في آذار (مارس) الماضي وسألني عن إمكان مشاركي إياه في عمل غنائي صعيدي فوافقت على الفور لأنني أحب الحجار وأحب هذا النمط الغنائي».