«ابن بلد بمعنى الكلمة، جدَع وصاحب صاحبه، بمجرد أن أسمعه مغنياً، أسمع فيه كل ما أحب، الأماكن والأشياء، صوت أبي وأمي وأولاد عمي وأصحابي، كل الأشياء الحلوة اللي عرفتها طيلة حياتي، ألخّصه في كلمتين: العملة النادرة»... هكذا كان الموسيقار الراحل عمار الشريعي يرى المطرب محمد العزبي، الذي توفي مساء أول من أمس بعد صراع مع المرض، وبوفاته انفرطت آخر حبات عقد الطرب الشعبي الأصيل، الذي كان الراحل أحد أهم فرسانه في مصر، إلى جانب كارم محمود ومحمد عبد المطلب ومحمد قنديل ومحمد رشدي وشفيق جلال. وهو تميز، إلى جانب كونه أفضل من قدم أغنيات «الليل والموال»، بخفة ظل وحضور جميل على المسرح، كما تمتع بصوت رخيم، وقدرة على الارتجال ميّزته عن أقرانه من مطربي الأغنية الشعبية. وكان العزبي فاجأ جمهوره باعتزال الفن أواخر العام 2010، مؤكداً أنه شعر بأنه غير قادر على مواصلة المسيرة، وأنه ظل طيلة حياته الفنية يعمل من دون ضغوط من أحد، وحين وجد أن ظروفاً صحية تحول دون وجوده في شكل يليق بتاريخه اتخذ قرار الابتعاد، خصوصاً أنه كان يرى أن الفنان ليس آلة للعمل باستمرار وفي كل وقت. وعلى رغم أنه حصد العديد من الجوائز والتكريمات في مصر والعالم العربي، كان يرى أن التكريم الحقيقي الذي لا ينتهي ولا أوان له، هو تكريم الجمهور وحبه له. وفي تلك الفترة الأخيرة من حياته، صرّح العزبي أيضاً أن نجاح المطرب الشعبي يتوقف على مقدرته على غناء الموال، وحرصه على أن تمسّ كلمات الموال القلوب، وتدخل في صميم النفس البشرية، لتعبّر عن مشاكل الناس والمجتمع. ولد العزبي في 20 شباط (فبراير) 1938 في حي الحسين بالقاهرة، لوالد يعشق الموسيقى ويعزف على آلة الدرامز مع فرقة بديعة مصابني. وشارك في صغره في مسابقة غنائية للهواة، أدّى فيها «ودّع هواك» لمحمد عبد المطلب الذي كان يعتبره والده الروحي، وفاز يومها بالجائزة الأولى، الأمر الذي فتح شهيته للالتحاق بمعهد «شفيق» للموسيقى العربية، وبعد ذلك تقدم إلى اختبارات الإذاعة المصرية واعتمد مطرباً فيها العام 1957. وبعدما اعتزل المطرب كارم محمود العمل في «فرقة رضا للفنون الشعبية»، انضم إليها العزبي، مشاركاً في العديد من الرحلات والمهرجانات الفنية العربية والعالمية، كما غنّى في قاعة «ألبرت هول» الشهيرة في لندن، وعلى مسرح «الأولمبيا» في باريس. وشارك خلال عمله مع الفرقة، ممثلاً ومغنياً في أفلام «إجازة نصف السنة» و«غرام في الكرنك» من إخراج علي رضا، و«حياة عازب» و«حديث المدينة» و«تفاحة آدم» و«أنا الدكتور». وقدّم أغنيات عديدة من ألحان الموسيقار علي إسماعيل الذي كان دائماً يعترف بفضله عليه إنسانياً وفنياً، ومن بينها «الأقصر بلدنا» و«الناي السحري» و«فدادين خمسة». وقدّم العزبي عشرات الأغنيات لشعراء وملحنين آخرين من بينها «أغلى الناس» و«العروسة الحلوة» و«سينا» و«اليوم الجديد» و«عطشان يا صبايا» و«يا قاهرة» و«يا ناياتي» و«غاوي» و«موال العشاق» و«اللي قرولي الكفّ» و«ياسين» و«مصر الأمان» و«كرامة لله» و«رسالة لبلدي» و«عوض الله» و«عيون بهية» التي كتبها محمد حمزة ولحّنها بليغ حمدي، وأحدثت نقلة كبيرة في مشواره الغنائي. كما قدّم عشرات المواويل وشارك في حفلات ومناسبات قومية، في بلده وبلدان عربية كثيرة. قدم العام 2007 ألحاناً مع الموسيقار ياسر عبد الرحمن، كانت أساسية في الأحداث الدرامية لمسلسل «الدم والنار» لفاروق الفيشاوي ومعالي زايد، تأليف وحيد حامد وإخراج سمير سيف.